مناوشات تجارية بين أميركا والصين
غدى احتمال نشوب حرب تجارية مع الصين الخوف من احتمال حدوث تداعيات سلبية أوسع نطاقاً، وهز سوق السندات، ودفع عديدا من الاقتصاديين لانتقاد القرار الذي اتخذه أوباما بفرض رسوم جمركية على استيراد إطارات السيارات المصنوعة في الصين.
اشتكى التجار أن فرض ذلك الرسم الذي يصل إلى 35 في المئة قد يدفع الصين إلى إرسال رسالة عدم رضا إلى الولايات المتحدة، من خلال تقليص مشترياتها من سندات الحكومة الأميركية، كما اشتكت جوقة من الاقتصاديين والنشطاء البيئيين من أن قرار الرئيس يمكن أن يؤثر سلبا على المباحثات الدائرة بين البلدين حول المناخ، وقد يسمم العلاقات بينهما قبل انعقاد مؤتمر قمة العشرين المقرر عقدها في مدينة «بتسبرج» بأسبوعين فقط. وقد أدلى أوباما أول من أمس الاثنين بحديث لشبكة «سي. إن. بي. سي» قال فيه إن فرض رسوم جمركية كان أمرا ضروريا للاحتفاظ بـمصداقية الاتفاقيات التجارية» وأضاف: «لست مندهشا أن الصين مستاءه بشأن هذا الأمر ولكن يجب أن تضعوا في اعتباركم أن علاقاتنا الاقتصادية بالصين ضخمة جدا». في نفس الوقت وصف «شن ديمنج» وزير التجارة الصيني قرار أوباما بأنه يمثل «إهانة» للأحكام القانونية التجارية وقال إن القرار «يرسل إشارة خاطئة للعالم». بالإضافة لذلك التصريح، أعلنت الصين أنها تفكر في اتخاذ إجراءات عقابية ضد الصادرات الأميركية من السيارات وقطع الدواجن. إذا ما كان هناك أي اعتقاد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتبوأ موقعاً أخلاقياً عالياً باتخاذها لمثل هذا القرار في قمة العشرين في بتسبرج، فإن ذلك سيكون أمراً خاطئاً، وما حدث شيء سيئ الطالع» هذا ما قاله «دانييل روزن» المستشار السابق الرفيع المستوى للشؤون الآسيوية في المجلس الاقتصادي الوطني بالولايات المتحدة، الذي أضاف: «بدلا من الحديث عن الموقع الأخلاقي العالي سوف تكون هناك أحاديث حول اختلاف الولايات المتحدة والصين بشأن مسائل مثل الإطارات والدواجن». هناك شخص واحد قال إن تلك المخاوف قد جرى تضخيمها وهو» ليو دبليو جيرارد» رئيس اتحاد عمال الصلب، والرجل الذي كان السبب وراء صدور هذا القرار وإثارة الضجة الحالية عندما قام برفع قضية تجارية يطالب فيها بحماية المنتجات الأميركية من الواردات الأجنبية، وهو ما حرض أوباما على إصدار قراره بفرض رسوم جمركية على الواردات. وقال «جيرارد» مهونا من شأن المخاوف من نشوب حرب تجارية بين البلدين أو مشتريات الصين من سندات الحكومة الأميركية:
إن الصين تصدر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورد منها بكثير/ وبالتالي فإنها هي التي ستخسر إذا ما شنت هذه الحرب». إلى ذلك قال مسؤول كبير بإدارة أوباما: «لا نعتقد أن هذا القرار سيكون له تأثير على علاقاتنا الأوسع نطاقاً» وقال هذا المسؤول أيضاً أن الولايات المتحدة قد بذلت جهوداً كبيرة للتفاوض مع الصين من أجل التوصل لتسوية حول هذا الأمر، قبل أن تفرض الرسم الجمركي على وارداتها من الإطارات الصينية. في خطابه الذي ألقاه الاثنين في الحي المالي بنيويورك قال أوباما: «إن الاقتصاد الصحي في القرن الحادي والعشرين يعتمد أيضاً على قدرتنا على شراء وبيع البضائع في مختلف الأسواق على امتداد المعمورة... وأريدكم أن تعلموا أن هذه الإدارة ملتزمة بالسعي لتوسيع التجارة وعقد اتفاقيات تجارية مع مختلف الدول». وأضاف الرئيس الأميركي» ولكن لن يكون بإمكان النظام التجاري فرصة للنجاح إذا أخفقنا في تفعيل شروط اتفاقياتنا التجارية لذلك فإنه - مثلما حدث هذا الأسبوع - عندما نقوم باستدعاء شروط الاتفاقيات الجارية، فإننا لا نفعل ذلك كي نستفز أحداً، أو كي نسوق سياسة حمائية محكوم عليها بالفشل، وإنما نفعل ذلك لأن تفعيل الاتفاقيات التجارية يعد جزءاً لايتجزأ من السعي للمحافظة على نظام تجاري حر ومفتوح» وهناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن الغبار الذي ثار حول موضوع فرض رسوم جمركية على استيراد الإطارات الصينية سوف يهدأ، منها أن الصادرات الصينية للولايات المتحدة تفوق وارداتها منها بثلاث مرات. والثاني أنه لا يوجد أمام الصين سوى أوعية محدودة للغاية لوضع احتياطاتها المالية الضخمة من النقد الأجنبي غير سندات الخزينة الأميركية وسندات الرهن العقاري المدعومة من قبل تلك الحكومة.
ويرى «تيا لي» الاقتصادي ومدير السياسات في «الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية» AFL-CIO أن القلق بشأن إرهاصات نشوب حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة هو «قلق مبالغ فيه» كما وصف رد الفعل الصيني بأنه كان «صاخب النبرة». وأضاف: «الحكومة الصينية تحاول أن ترفع من نبرة خطابها لإخافة الولايات المتحدة لذلك يجب علينا ألا نخاف فما فعلناه هو من صميم حقوقنا وليس مقدمة لحرب تجارية». غير أن مراقبين آخرين يرون أن توقيت القرار ذاته كان سيئا للغاية بصرف النظر عن صوابه من عدمه. من هؤلاء «دادوش» المسؤول بالبنك الدولي الذي قال» ربما يكون للولايات المتحدة أساس ترتكز عليه في اتخاذها للقرارات، ولكن المهم في نظري ليس شرعية القرار أو عدم شرعيته، وإنما تأثيره السياسي الشامل والرسالة التي يوصلها للعالم» بعض المحللين يرى أن فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية كان منحة سياسية من أوباما للاتحادات التجارية التي دعمته في انتخابات 2008 والتي يحتاج إلى دعمها الآن من أجل تمرير خطة إصلاح نظام الرعاية الصحية. ويرى محللون آخرون أن أوباما قد يحذو حذو إدارة بوش التي بدأت ولايتها باتخاذ موقف متصلب تجاه التجارة، وذلك عندما فرض الرئيس السابق رسوما جمركية على الصلب المستورد من الخارج قبل أن يتراجع عن ذلك فيما بعد، ويرفض الاقتراحات المقدمة إليها بفرض عقوبات اقتصادية على منتجات أخرى.
ستيفن موفسون - بيتر هوريسكي كاتبان أميركيان متخصصان في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»