محمد إبراهيم (الجزائر)
استحوذت محكمة «سيدي امحمد» بوسط الجزائر العاصمة، أمس، على اهتمام الجزائريين ووسائل الإعلام، بسبب مثول عدد كبير من المسؤولين السابقين من رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة أمام القضاء لاتهامهم في قضايا فساد مالي. واستمع وكيل الجمهورية بالمحكمة، أمس، إلى شهادات كل من رئيسي الحكومة السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال والوزراء السابقين: عبد القادر نسيب، وعمار تو، وكريم جودي وعمارة بن يونس وعبدالغني زعلان، ووالي العاصمة السابق عبدالقادر زوخ، إضافة لعدد من المسؤولين بمختلف القطاعات الاقتصادية ورجال أعمال. وشهد محيط المحكمة تواجداً أمنياً مكثفاً لقوات الشرطة والدرك الوطني فيما تجمع عدد من المواطنين لمشاهدة دخول المسؤولين السابقين للمحكمة.
وقالت مصادر قانونية لـ«الاتحاد» إن كل هذه الاستدعاءات تمت على خلفية القضية المتهم فيها رجل الأعمال علي حداد في عدة قضايا فساد تتعلق بالمشاريع والصفقات التي حصل عليها في العقدين الماضيين، والتسهيلات التي كانت تمنح له من قبل الحكومة. وأضافت المصادر أن حداداً كشف في التحقيقات معه عن قائمة تضم أكثر من 50 مسؤولاً سابقاً وحالياً، كانوا يقدمون له التسهيلات غير القانونية، مشيرة إلى أنه سيتم استدعاؤهم جميعاً للمثول أمام القضاء. وكان التلفزيون الجزائري الرسمي قد ذكر أن هذه الاستدعاءات تأتي في إطار مواصلة التحقيقات في إطار قضية رجل الأعمال علي حداد. وحداد، الذي استقال في مارس الماضي من منصب رئيس منتدى رؤساء المؤسسات بالجزائر، تم توقيفه يوم 31 مارس الماضي خلال محاولته مغادرة البلاد إلى تونس، قبل يومين من استقالة بوتفليقة، الذي يعد حداد أحد أبرز ممولي حملاته الانتخابية.
وعلى صعيد متصل، أرسلت المحكمة العسكرية بولاية البليدة استدعاء للطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري السابق للتحقيق معه كشاهد في القضية المتهم فيها السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق المستشار بالرئاسة، والجنرال محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق والجنرال عثمان طرطاق المعروف باسم البشير رئيسي المخابرات السابقين، بتهمة التآمر ضد سلطة الجيش وسلطة الدولة. وعين بوتفليقة بلعيز رئيساً للمجلس الدستوري في 10 فبراير الماضي، قبل أن يستقيل بلعيز في 16 أبريل الماضي، رضوخاً لمطالب الحراك الشعبي الذي يطالب بتنحية رموز بوتفليقة عن المشهد السياسي ومحاسبة الفاسدين منهم.
من جانبه، قال رشيد خان، محامي الدفاع عن لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال المعارض، الموقوفة في إطار نفس القضية، إن موكلته اعترفت باجتماعها مع كل من السعيد بوتفليقة والجنرال توفيق يوم 27 مارس الماضي. وأضاف في بيان له: «لتنوير الرأي العام فإن حنون حضرت لقاء تشاورياً فقط بحضور كل من مستشار الرئيس السابق سعيد بوتفليقة واللواء المتقاعد محمد مدين المدعو توفيق بالإقامة الرسمية (دار العافية) التابعة للدولة وهذا بالضبط يوم 27 مارس 2019 مساء حيث دام اللقاء قرابة ساعة واحدة فقط، كان موضوع اللقاء التشاوري إبداء الرأي عما يحدث في الساحة السياسية وكان في اعتقادها أن هذا اللقاء كان رسمياً وبموافقة رئيس الجمهورية، وإلا كيف يفسر فقط في خلال ساعة واحدة أن ترتكب كل هذه الأفعال والتي تشكل تهماً ثقيلة تؤدي إلى الحكم بالإعدام».
وأضاف المحامي: «إنه أثناء زيارتي لها بالسجن صرحت لي بأنها متفاجئة بهذا الاتهام نظراً لكونها أدت واجبها فقط باعتبارها مسؤولة سياسية لحزب معتمد وباعتبارها نائبة برلمانية يخول لها الدستور تمثيل الشعب أمام مختلف الجهات الرسمية وهو ما قامت به فعلاً». ونقل المحامي عن حنون قولها: «إنه من مسؤوليتي في ظل الظروف الراهنة إيجاد مخرج للوضع الراهن ولا يمكن أن أتصور أنه يمكن تجريم عمل سياسي محض ولم أكن أتصور أنه في سنة 2019 تهان مسؤولة سياسية امرأة لمجرد أنها قدمت مساهمة سياسية».
وعلى صعيد بقية التحقيقات، مثل والي ولاية تيبازة (شمال) السابق مصطفى العياضي الذي شغل منصبه بين عامي 2011- 2015 أمام قاضي التحقيق بمحكمة تيبازة لسماع أقواله في إطار تحقيق قضائي في قضية فساد مالي، بناء على شكوى قدمتها مديرية أملاك الدولة بتيبازة.
وكانت المحكمة قد استمعت الأسبوع الماضي في إطار نفس القضية لأقوال والي تيبازة السابق موسى غلاي الذي شغل المنصب ما بين سبتمبر 2016 وأكتوبر 2018 والمدير العام السابق للأمن الوطني اللواء عبدالغاني هامل ونجله مراد دون توجيه اتهامات مباشرة لهما على أن تتواصل جلسات التحقيق لاحقاً. ورغم كل تلك التحقيقات والتوقيفات بحق رموز نظام بوتفليقة، إلا أن الدعوات للتظاهر، اليوم، للأسبوع الثالث عشر انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويطالب الحراك الشعبي الذي أطاح ببوتفليقة من الحكم بعد 20 عاماً، بإقالة «3 باءات» هم عبدالقادر بن صالح الرئيس المؤقت، ونور الدين بدوي رئيس الحكومة، ومعاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان)، بالإضافة إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو المقبل وتشكيل هيئة أو مجلس لإدارة مرحلة انتقالية تستمر من 6- 12 شهراً. ووجهت السفارة الأميركية في الجزائر، تحذيرات لرعاياها من التواجد في مظاهرات اليوم وتدعوهم إلى أخذ الحيطة والحذر وتجنب الاحتكاك مع المتظاهرين. وقالت السفارة الأميركية على حسابها الرسمي بموقع تويتر للتدوينات القصيرة: «في جميع أنحاء الجزائر، تستمر المظاهرات بكل أنحاء البلاد، ندعو موظفي الحكومة الأميركية إلى الحد من الإجراءات غير الضرورية خلال المظاهرات».