اضطر أحد المصانع في نيجيريا إلى الانتقال إلى مكان آخر بسبب أن تكلفة الكهرباء وندرتها جعلت تحقيق أرباح ضربا من المستحيلات.. ومظاهرات احتجاج في شوارع كراتشي بسبب نقص الكهرباء المزمن في المدينة التي تعتبر مركز باكستان الاقتصادي تتحول الى مأساة بسبب هتافات الجماهير ضد الحكومة. انتشرت مثل تلك المشاهد بوتيرة متزايدة هذا الصيف في العديد من دول العالم النامي مع زيادة الطلب على الطاقة وإخفاق الحكومات في تلبية ذلك رغم طموحات الحكومات في التحول إلى اقتصادات صناعية. وأضحت حاجة الدول النامية لمزيد من الطاقة مسألة محورية هذا العام حيث تضغط دول متقدمة منها الولايات المتحدة على تقليص الانبعاثات الكربونية عالمياً قبل مؤتمر التغير المناخي المقرر عقده في ديسمبر في كوبنهاجن. الانبعاثات الدفيئة والعديد من الدول الأفريقية والأميركية الجنوبية والآسيوية ترغب في تفادي الأحكام الملزمة قانوناً بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي يقال إنها السبب في ارتفاع الحرارة في العالم. وتقول هذه الدول إن انبعاثاتها أقل كثيراً من انبعاثات العالم المتقدم وأن تلك الحدود المقيدة من شأنها عرقلة مساعيها الى انتشال مئات الملايين من البشر من الفقر رغم أن النمو الاقتصادي سيزيد حتماً من بصمات الدول الكربونية مع حصول المزيد من الفقراء على الكهرباء وأجهزة تكييف الهواء والثلاجات والسيارات. سيكون لموقف الدول النامية تأثيرات على واشنطن هذا الخريف إذ يعد مجلس الشيوخ مشروع قانون يرمي الى تقليص الانبعاثات الكربونية وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة. ويقول المنتقدون إن سقوف الانبعاثات المقترحة ستضر بشركات الولايات المتحدة من حيث إجبارها على تقليل انبعاثاتها الكربونية، في الوقت الذي ستظل فيه الدول النامية بلا قيود ولا تحد من تلويثها للبيئة. في أماكن مثل نويدا، إحدى ضواحي نيودلهي الناشئة يبدو أن هناك احتياجا لا حدود له في مصادر الطاقة. وبدون الكهرباء التي تمدها الحكومة يلجأ الناس الى حلول من ابتكارهم، حتى في المدن الكبرى كثيراً ما يخرج الفقراء بحثاً في الغابات والحدائق عن كسرات الخشب اللازمة لإشعال موقد للطهي. ومن حي كانو في نيجيريا الى المتاجر الراقية في نيودلهي يعتمد أصحاب المشروعات على المولدات الكهربية التي تعمل بالديزيل لمباشرة أعمالهم إذا انقطع التيار الكهربائي. أما في قرى العالم النامي، وأحياناً الفقيرة يشغل الناس أجهزة التليفزيون والمراوح ببطارية السيارة التي تسمى مولد كهرباء الرجل الفقير. تنجم قلة التيار الكهربائي عن مزيج من التخطيط الحكومي المتدني وازدهار الصناعة وفي بعض الدول عن نقص الأمطار التي تؤثر على الأنهار التي تغذي محطات الطاقة المائية. إن انقطاع الكهرباء يعرقل النمو الاقتصادي ويؤثر سلباً على توفير فرص العمل، الأمر الذي يمكن أن يهز الحكومات الهشة في بعض أفقر أنحاء العالم. طاقة للجميع بحلول 2012 ويقول سريكانتا بانيجراهي، مستشار رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج لشؤون الطاقة والتي تعهدت حكومته بتوفير (طاقة للجميع) بحلول عام 2012 «رغم أن الكهرباء كثيراً ما تنقطع حتى في المدينة إلا أنه لا توجد طاقة موثوق بها في باقي أنحاء البلاد، علماً بأن إدارة سينج عقدت اتفاقية نووية تاريخية مع الولايات المتحدة سعياً الى محاولة سد فروق الإنتاج». في الهند، التي تعتبر ذاتها قوة عظمى ناشئة زادت فيها الطبقة المتوسطة 4 مرات في العقدين الماضيين، والعديد من الناس في الهند يطمح الى شراء غسالة أو مكيف أو ثلاجة ما من شأنه إجهاد شبكة كهرباء الدولة المحملة أصلاً بأكثر من طاقتها. في نيودلهي آلاف من الرجال قاموا هذا الصيف بمظاهرات احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربي، وتفاقمت المشكلة هذا العام نتيجة الجفاف الذي ضرب أجزاء كبرى من آسيا وأفريقيا ما كاد أن يجعل الأنهار تنضب والأنهار الجليدية تنكمش. واحد فقط من كل أربعة أفارقة يمكنه الحصول على كهرباء الشبكة حسب البنك الدولي، وأكثر من 500 مليون هندي (نحو نصف عدد السكان) عنده توصيلة رسمية بخط الكهرباء، أما أولئك المتوفر لديهم توصيلات كهربية يعانون من انقطاع التيار حيث تسعى وزارة الطاقة الهندية الى تعويض 25 في المئة من النقص في توليد الكهرباء. إن افتقار العالم النامي الى الكهرباء يعرقل الازدهار ويضيف نسقاً آخر من الصعوبة على الحياة اليومية. وفي الكثير من الأماكن في كافة أنحاء العالم النامي، توجد أجهزة تكييف الهواء ولكن لا يوجد الهواء نفسه وتوجد أحواض السباحة ولكن لا توجد المياه. تقول كريتي جابسوال ساه (24 عاماً) الموظفة سابقاً في مركز اتصالات في نويدا البلدة المزدهرة تكنولوجياً: «اضطررنا للانتقال من شقتنا الأخيرة لأن لم يكن هناك كهرباء على الإطلاق». وقد لفت نظرها إعلان عن مجمعات سكنية فاخرة تحمل أسماء مثل أورينج كاونتي ونيوجيرسي بالمز، بل إن بعضها يوفر أحواض استحمام ساخنة غير أنها نادراً ما تعمل بسبب انقطاع الكهرباء اليوم». والآن لا تزال الكهرباء في شقتنا الثانية ضعيفة. بعض أصدقائنا ينامون في سياراتهم من أجل الهواء المكيف». وتضطر هي وحموها أحياناً الى طلوع تسع مجموعات من السلالم في الظلام لأنه لا توجد كهرباء وبالتالي لا يعمل المصعد، وغالباً ما تكتم أصواتهما ضجيج المولدات الكهربية وأزيزها والتي تكون سحابة من التلوث الأرجواني فوق ممرات وساحة مجمعهم السكني المزين. تقول ساه الحامل التي لا تحتمل الحرارة: «إن الأمر يزداد سوءاً، نفكر أحياناً النوم في فندق». الطلب يتجاوز العرض في أنحاء كثيرة في أفريقيا تعتمد الأسر على مولدات الكهرباء والشموع ومصابيح الكيروسين وخشب الإشعال، وانقطاعات الكهرباء تجبر المتاجر على الإغلاق مبكراً والمدارس على إلغاء حصص، والمشافي على عدم قبول مرضى. وقد أضحى مستثمرون أجانب يخشون من استثمار أموالهم في أفريقيا حسب رأي بعض الخبراء. ويقول طوماس بيرمان محلل الطاقة الأفريقي: «يبدو أن شركات أفريقيا الكبرى تستقي معظم كهربائتها من المولدات الكهربية، أو تبني هي محطة طاقة لحسابها». وفي جنوب أفريقيا تجاوز الطلب العرض في نهاية عام 2007 لدرجة أن ايكسوم، الشركة التي تملكها الولاية بدأت تقتصد في الاستهلاك مع إغراق المدن في الظلام أحياناً وقطع التيار الكهربائي مؤقتاً بنسبة 11% في يناير 2008 ما أوصل أسعار الذهب والبلاتين الى أرقام قياسية الارتفاع. في كينيا التي تعد ضمن الدول الاقتصادية الكبرى في شرق أفريقيا، يتم توزيع حصص الكهرباء على الرغم من قيام العمال بحفر خنادق لكابلات الألياف الضوئية بمحاذاة الشوارع في نيروبي العاصمة. ينجم عن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة عرقلة الاقتصاد الذي لا يزال يترنح من أعمال عنف ما بعد انتخابات السنة الماضية والأزمة المالية العالمية، حيث يضر ميكانيكيو السيارات وعمال لحام المعادن في الأزقة وغيرها من الحرف والمهن والمحال التجارية الى تقليص ساعات شغلهم أو الإغلاق. نتجت انقطعات الكهرباء المتكررة في باكستان من سنوات من الإهمال حسب رأي بعض المحللين، فمحطات الكهرباء عتيقة الطراز وتتزايد سرقة عامة الناس للكهرباء من خطوط الكهرباء العمومية حيث تكون الحكومة شديدة الانشغال بالمخاطر الأمنية في شمال غرب البلاد الى درجة تمنعها من الانتباه الى صيانة محطات الكهرباء القائمة، وربما إغفال بناء الجديد منها كلياً. يقول راجا برفيز أشرف وزير المياه والكهرباء الباكستاني المؤيد لمزيد من التنمية: «على باكستان أن تختار ما بين تطوير الكهرباء وإلا تواجه انقطاعات كهرباء تؤدي الى البطالة وتقليل النمو الاقتصادي ومظاهرات الاحتجاج». عن «واشنطن بوست» و «لوس أنجلوس تايمز»