ذكرى 11 سبتمبر... ومهددات الأمن القومي الأميركي
لدى إحيائه لذكرى هجمات 11 سبتمبر للمرة الأولى منذ توليه مهامه في البيت الأبيض، خاطب الرئيس أوباما الحضور في مقر وزارة الدفاع الأميركية، بمن فيهم أقارب وعائلات الضحايا الذين لقوا حتفهم في تلك الهجمات منذ ثماني سنوات قائلا: «ليس في وسع الزمن ولا صعوبة الظروف التي تمر بها بلادنا الآن أن يغيبا عنا معنى هذه اللحظات». ولم تكن تلك الجملة لوناً من الخطابة الخاوية. فلاشك أن الهجمات والخطوات والإجراءات التي اتخذتها إدارة بوش السابقة للحيلولة دون وقوع هجمات أخرى شبيهة بما في بلادنا، هما اللذان حددا أكثر من أي حدث آخر غيرهما فهم الرئيس أوباما لأمننا القومي ومهدداته. وقد جاءت هذه التقديرات لموقف الأمن القومي من عدد من كبار مستشاري الرئيس، بمن فيهم عدد من الذين عملوا في ظل إدارة بوش، إلى جانب مراجعة تصريحات أوباما السابقة بشأن الهجمات وطريقة استجابة بلادنا لها. غير أن منتقديه من كلا الجانبين يميناً ويساراً يصرون على اتهامه بأنه إما أن يكون قد استخلص الدروس الخاطئة من هجمات 11 سبتمبر، أو أنه سمح لتلك الهجمات بأن تصرف اهتمامه عن مهددات أمنية أبعد وأبقى أثراً مثل خطر التغير المناخي وتنامي دور ونفوذ بعض القوى الدولية الطامحة.
ويرى توم مالينوفسكي، مدير مكتب منظمة «هيومان رايتس ووتش» بواشنطن، أن عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر يطالب أوباما بإدراك أن تلك الهجمات هي التي تحدد سياسات إدارته. فمما لا ريب فيه أن غالبية المهام والقضايا التي ورثتها إدارته، والتي يتعين عليها مواصلة التصدي لها، هي من نتائج ومخلفات هجمات 11 سبتمبر. والملاحظ أنه يتعامل مع هذه النتائج بطريقة مختلفة جداً عن نهج الإدارة السابقة. غير أنه يتعين على تلك الهجمات أن تظل محوراً لما ينفق عليه أوباما أي قسط من رأسماله السياسي. يذكر أن أوباما قد تحدث كثيراً عن هجمات 11 سبتمبر وكتب عنها. ومنذ توليه مهامه الرئاسية، أولى اهتماماً واضحاً لمراجعة وتحسين الجهود الحربية التي تبذلها الولايات المتحدة في الخارج، بما فيها مراجعة سياسات الاعتقال والتحقيق مع أسرى الحرب. بل واختلفت حتى اللغة التي تستخدمها إدارته بشأن الإرهاب، اعتماداً على فهم أوباما لخلفيات وحيثيات صباح ذلك اليوم الذي وقعت فيه الهجمات. والحقيقة أن مجموعة القرارات التي اتخذها بمنع تعذيب المعتقلين، وإغلاق سجن جوانتانامو، والخطاب المباشر الذي وجهه إلى الأمة الإسلامية من القاهرة، كلها قد تأثرت بالاستنتاجات والدروس التي استخلصها من هجمات 11 سبتمبر ومعرفته بالأسباب التي دعت إليها. وتندرج ضمن ذلك أيضاً الجهود التي يبذلها أوباما في الحد من خطر الانتشار النووي، وهي لاشك جهود مدفوعة بوعيه بخطر ذلك اليوم على حياة وأمن الأميركيين. وفي الوقت نفسه حافظت إدارة أوباما على بعض الجوانب والعناصر المثيرة للخلاف من سياسات الإدارة السابقة، بما فيها توقيف وترحيل المشتبه بارتكابهم لجرائم الإرهاب وترحيلهم إلى دولة ثالثة، إضافة إلى اعتقال المشتبه بهم لفترات غير محددة، على رغم التعديلات المهمة التي أجرتها إدارته على هذه السياسات. وقد أثارت هذه الإجراءات تحفظات بعض ناشطي حقوق الإنسان، خاصة الذين اعتقدوا منهم أن إدارته ستنهج نهجاً مختلفاً جداً عن سياسات الإدارة السابقة، وذلك اعتماداً على ما وعد به أوباما خلال حملة سباقه الانتخابي الرئاسي، وما رأى فيه المراقبون والمحللون من معارضة قوية جداً للحرب على العراق. غير أن بعض كبار مستشاري أوباما يرون أن سياساته تتسق والرؤية غير الأيديولوجية التي تنظر بها إدارته إلى عالم ما بعد 11 سبتمبر، وهي رؤية شديدة الواقعية، وأكثر عمقاً بكثير مما تصوره منتقدو أوباما اليمينيون وعلى رأسهم ديك تشيني، نائب الرئيس السابق. وبعد شهرين من توليه مهامه الرئاسية أصدر أوباما قراراً بإرسال الآلاف من الجنود الإضافيين إلى أفغانستان، في مقابل إعلان التزامه بسحب الجنود المرابطين في العراق. بل إن في استراتيجية «أفباكستان» التي تبنتها إدارته -بما فيها تعيين ريتشارد هولبروك مبعوثاً خاصاً له إلى كل من أفغانستان وباكستان- ما يعكس اعتقاد الرئيس الشخصي بأن هاتين الدولتين هما اللتان يكمن فيهما الخطر الأكبر على الأمن القومي الأميركي، بالنظر إلى استمرار وجود كبار قادة تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» فيهما. ولكن لا يقلل ذلك من حقيقة أن النقد الرئيسي الموجه إلى سياسات أوباما الخاصة بأفغانستان، ينشأ معظمه من داخل صفوف حزبه «الديمقراطي»، في حين أشارت جميع استطلاعات الرأي العام الأميركي الأخيرة التي أجريت بشأن الحرب على أفغانستان، إلى تراجع التأييد الشعبي للحرب بسبب ارتفاع عدد قتلاها من الجنود الأميركيين. وعلى حد تعليق «جاري جي. شميدت» مدير الدراسات الاستراتيجية المتقدمة بمعهد «أميركان إنتربرايز» ذي الاتجاهات المحافظة، فإن من الواضح أن هجمات 11 سبتمبر جعلت من أول رئيس أميركي «ديمقراطي» يتولى مهامه القيادية، بما فيها كونه قائداً أعلى للقوات المسلحة، بعد الحدث، يبدو أكثر «صقرية» من الصقر «الجمهوري» الذي سبقه في البيت الأبيض. وقبل ثماني سنوات من الآن، كان جون أو. بيرنان -كبير مستشاري أوباما للأمن الوطني ومكافحة الإرهاب- ضمن الحاضرين وقتها لاجتماع عقد بمقر وكالة «سي آي إيه»، بصفته نائباً للمدير التنفيذي للوكالة. وعندها طرق أحدهم الباب. وكان ذلك الطارق هو العميل الذي نقل نبأ اختراق إحدى الطائرات لأحد برجي مركز التجارة العالمي. وتلك كانت لحظة التحول المهم والكبير في تاريخ أميركا والأميركيين، وهي لحظة كان لابد لها من أن تحدد كافة السياسات الخاصة بالأمن القومي، وما زالت آثارها مستمرة حتى الآن.
سكوت ويلسون
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»