دعت دراسة اجتماعية إلى اعتماد مبدأ التشاور والإقناع أسلوباً للعلاقات الأسرية بين الوالدين والأبناء، مؤكدة أهمية البعد عن توجيه الأوامر للأبناء والتشدد في ضرورة تنفيذها، وألا يعقبها نقاش حاد بين الطرفين، يزيد من تصدع الشقوق في جدار العائلة، وتجد أن أفرادها، غرباء يعيشون تحت سقف واحد، ينشغل كل منهم بحياته، ويقضي معظم وقته مع وسائل التكنولوجيا الحديثة. ونبهت ردود أفعال رصدها ملحق «دنيا» عقب نشره أمس موضوعاً ذات صلة إلى أهمية تقريب وجهات النظر بين الطرفين، لأن كلاً منهما، يرى أنه الأصح، حيث يؤمن الوالدان أن لهما الحقوق الكاملة في طاعة الأبناء، وعلى الرغم من عدم اختلاف الدراسة مع ذلك، لكنها نصحتهما، بالتقرب من الأبناء ومصادقتها، أفضل من التذمر ونهرهما، كما نبهت الأبناء إلى حسن معاملة الوالدين ونقاشهما في الأوقات المناسبة، مقترحة تكوين مجلس أسري يجمع الأسرة ويلم شملها. نورة الحبسي (أبوظبي) - قال محمد الصوافي ولي أمر إن أسلوب الإقناع والتشاور هو الأنسب كي يضمن تنفيذ ما اتفق عليه هو وابنه، دون الحاجة إلى متابعة أو رقابة، مشيراً إلى أنه إذا ضمن تنفيذ ابنه لما اتفق عليه، دون أن يكون موجودا في هذه الحالة، فهو يستحق أن يأخذ رأيه في المسائل الأسرية. وأضاف: في بعض الأحيان لا يمكن الجزم بأفضلية أسلوب دون آخر، فبعض المواقف التربوية تحتاج إلى الترغيب والتخويف، فمثلاً حين يرفض أحد الأبناء الذهاب إلى المدرسة دون سبب مقنع، أو مصاحبة «شلة» معينة، فيتطلب هذا الأمر الجلوس مع الابن، وشرح له مضار ذلك، لكن إن أصر الابن وتمسك برأية، فإن الأمر يتطلب من الأب أن يكون حازماً ويتخذ القرار المناسب، لأن الابن لا يدرك أنه يتصرف بطريقة قد تؤثر على مستقبله. وأشار الصوافي إلى أن العلاقات الأسرية تحتاج إلى نقاشات وحوارات بشكل دائم، وهو ما تؤكده الدارسات الاجتماعية في هذا الشأن، بل إن الاستشاريين يشجعون عليها، خاصة أن ما يحدث الآن من تشنجات والتعصبات سواء في الحوارات التلفزيونية، أو من خلال ما نراه في الجيل الرابع من وسائل الإعلام «مواقع التواصل الاجتماعي»هو فقدان لقواعد التربية وأساليبها. وقال عبيد الكعبي، رب أسرة، إن إشراك الوالدين للأبناء في عملية صنع القرارات الأسرية تنمي فيهم الثقة في النفس، وتسهم في صقل شخصياتهم ومهاراتهم الاجتماعية ليصبحوا قادرين على التعامل مع المجتمع الخارجي، وتكوين علاقات اجتماعية مبنية على احترام وتقبل الرأي الآخر خارج نطاق الأسرة، لتنشئة جيل يسهم في تكوين مجتمع قادر على إتقان فن الحوار. كما أشار إلى أن إعطاء الوالدين الأبناء نوعاً من الحرية، لا يعني ذلك عدم تدخل الأهل في شؤونهم عن طريق إرشادهم وتوجيههم، فهم مازالوا في حاجة إلى من هم أكثر منهم خبرة في الأمور الحياتية. طرق التربية من جانبها أوضحت فاطمة الجابري أن طرق التربية المتبعة من قبل الوالدين يجب أن تختلف من جيل إلى آخر فهي أم لعشرة أبناء تتبع مع الخمسة الكبار أسلوباً مختلفاً عن الذي تتبعه مع الآخرين، فقد كانت تتبع معهم نوعاً من الشدة والحزم في الطرق التربوية، ولاتزال تذكر عندما تهددهم بالعصا كيف أن كل واحد منهم يهرب إلى غرفة من غرف المنزل، ويغلق على نفسه الباب خوفاً من أن تضربه، لكن الآن هي دائما ترجع إلى أبنائها في كل القرارات الأسرية، وأخذ برأيهم في كل الأمور المتعلقة بالأسرة، موضحة أن على الوالدين تغيير أساليبهم بحيث تقربهم أكثر من أبنائهم، وتقلل من فجوة التفكير بين جيل الآباء وجيل الأبناء حتى لا يقل التواصل بينهم. وأوضحت عايشة بارود طالبة في جامعة الإمارات أنه يجب على الأسر التي تتبع أساليب القمع والشدة في تربية الأبناء، إعادة النظر في زمن الصرخات والانفجارات المكبوتة، التي جاءت بسبب القمع وسحق الحريات، ويجب تغيير مفاهيم كثيرة لدى هؤلاء الآباء بحيث تتماشى مع العصر والتوجهات الحديثة المنادية بالديمقراطية والحريات الشخصية. كما أشارت إلى أنه يجب على كل أسرة أن تفتح المجال لجميع أفرادها في التعبير عن آرائهم وأفكارهم، وأن تمنحهم أيضا نوعاً من الحرية في صنع بعض القرارات المتعلقة بأمورهم الشخصية دون تدخل مباشر من قبل الوالدين على أن تكون هذه الحرية حرية مقننة لكيلا تخالف الشرع والعرف والأخلاق، وأوضحت أن الأسرة الواعية هي تلك الأسرة التي تعرف كيف ومتى تتدخل دون أن يشعر الأبناء بالكبت أو الضغط الناتج عن هذا التدخل، مما يؤدي إلى زيادة ترابط الأسرة. من جانبه أكد فهد الحبسي طالب في كلية الطب في جامعة الإمارات أن الأسرة تعد أحد العناصر الرئيىسة في بناء شخصية الأبناء وتعزيز ثقتهم في أنفسهم، وذلك من خلال تعليمهم القدرة على صنع القرار ومنحهم حرية التعبير عن آرائهم وأفكارهم فيما يخص شؤون الأسرة دون أي خوف أو تحفظ، فالبيئة الأسرية التي ينتمي إليها الأبناء تنعكس على سلوكياتهم وطبيعة تعاملهم مع الآخرين خارج نطاق الأسره من خلال تعاملاتهم الاجتماعية، فالأسره تلعب دوراً كبيراً في تنشئة أفراد قادرين على الإدلاء بآرائهم دون أي ضغط مع تقبلهم الرأي الآخر. كما أكدت سارة الظاهري أن الأخذ برأي الأبناء واستشارتهم يؤدي إلى توفير التوازن بين أفراد الأسرة لقضاء الاحتياجات والمسؤوليات بشكل عادل يرضي الأبناء والأهل في الوقت نفسه، وأيضا يجنب أفراد الأسرة النزاعات والاختلافات التي قد يخلفها الضغط على الأبناء وإجبارهم على بعض الأمور التي قد لا يرغبون القيام بها، مما يولد فجوة كبيرة بين الأبناء والوالدين، التي تؤدي إلى قطع حبال التواصل بينهم فيقل الترابط الأسري، كما يؤدي إلى تفكك المجتمع كون الأسرة أساس المجتمع ووحدة بنائه. الحياة الأسرية وقال الدكتور أحمد العموش أستاذ علم الاجتماع في جامعة الشارقة إن الاستقرار الأسري مصدر مهم في اكساب الأطفال المهارات والقيم والعادات والتقاليد، مشيراً إلى أن الطرق التربوية السليمة تلعب دوراً مهماً في بناء المعرفة العقلية والذهنية السليمة لدى الأطفال، حيث أظهرت الدراسات العالمية أن استخدام الطرق الإيجابية في التنمية الأسرية تساعد على الإنتاجية في الحياة وتسهم في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن وفي بناء وتشكيل الهوية لدى الأبناء. وأكد أنه يجب على الآباء اتباع طرق تنسجم مع طبيعة الأبناء وتجنب الطرق التربوية السلبية مثل الضرب والتوبيخ والإساءة، وذلك للمساهمة في تنشئة أجيال قادرة أن تكون قادة في المستقبل تسهم في رفعة هذا الوطن وتنميته في كافة المجالات. وأشار إلى أن شخصية الطفل تتشكل في المرحلة التي يقضيها مع الأسرة وقبل ذهابه إلى المدرسة، لذلك فإن الأسرة تلعب دوراً أساسياً في بناء شخصية الطفل في مجالات بناء الشخصية المتفاعلة، المتعاونة، المنتمية. ووقال إن لاشراك الأسرة في مجال القرارات الأسرية دوراً مهماً في بناء وترسيخ القيم الديمقراطية الأسرية، حيث أظهرت الدراسات العالمية أن الأطفال الذين تشاركهم أسرهم في صناعة القرارات الأسرية، خاصة في مجال العلاقات الأسرية (الزيارات) التفاعل مع الجيران، هم أكثر ميلاً للتعاون والتفاعل والاندماج مع الآخرين. ولديهم استعداد لتقبل قيم الانتماء والولاء للأسرة والمجتمع والوطن. وبينت دراسة أجراها الدكتور العموش عن «القرارات في مجال الاستهلاك والإستثمار والعلاقات الإجتماعية في مجتمع الإمارات» أن السلطة الأبوية تحولت من سلطة مطلقة إلى سلطة نسبية، وذلك نتيجة لتعلم وعمل المرأة، وتعلم الأبناء بصفه عامة، حيث إن 45? من القرارات الأسرية في مجال الاستهلاك يتخذها الزوج وحده، في حين تنفرد الزوجة وحدها بنسبة 18.5% في حين تتخذ 36.5% منها بشكل جماعي. وأكدت الدراسة أن المستوى التعليمي لأرباب الأسر يلعب دوراً مهماً في تحديد مدى مشاركة أفراد الأسرة في اتخاذ القرارات، وذلك من خلال النتائج التي أوضحت أن القرارات في مجال العلاقات، ليست مستقلة عن المستوى التعليمي لرب الأسرة، حيث لايزال 51.43% من أرباب الأسر الأميين ينفردون في اتخاذ القرارات في مجال العلاقات، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 7.04% عند أرباب الأسر من حملة الشهادات الجامعية. وقال الدكتور عمر الخطيب مساعد المدير العام في دائرة الشؤون الإسلامية في دبي إنه يجب على كل فرد من أفراد الأسرة أن يكون مؤمناً برسالة الأسرة، وأن يجند نفسه لخدمتها، وتحقيق أهدافها، ومشاركة الأبناء في اتخاذ القرارات التي تخص الأسرة، لأن ذلك تمكين لهم من ممارسة دورهم وحقهم في صنع حاضر ومستقبل الأسرة، مشيراً إلى أن الأهل الذين يأخذون برأي أبنائهم في هذه القرارات أدركوا أن التربية الصحيحة هي التي تشكل الوعي، وتحرك الوجدان، وتشعل المواهب، وتفجر الطاقات، وتجعل الصغار عوناً وسنداً للكبار. وأشار إلى أنه من المواقف التي تدل على الشورى في نطاق الأسرة من حياة الأنبياء هو موقف إبراهيم عليه السلام وهو يشاور ابنه إسماعيل عليه السلام حين أُمِرَ بذبحه، قال تعالى«فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ». خطورة تهميش دور الأبناء دعا الدكتور عمر الخطيب مساعد المدير العام في دائرة الشؤون الإسلامية في دبي الآباء إلى عدم تهميش دور الأبناء في مسيرة الأسرة والحياة لأن هذا الإهمال يقتل مواهبهم ويشعرهم بأنهم عديمو الفائدة، وقد يدفعهم هذا الإهمال إلى الانطواء، موضحاً أن لإشراك الأبناء في قرارات الأسرة دوراً مهماً في تعزيز مهارات عدة تسهم في إبراز شخصية الأبناء، وجعلهم واثقين في أنفسهم وقادرين على التفكير والإبداع واتخاذ القرارات والاعتماد على الذات والتوثب للانتقال من الصفوف الخلفية إلى الصفوف الأمامية. وطالب الخطيب الأبناء أن يؤدوا دورهم بصبر وحكمة، وأن يدلوا بآرائهم في أدب ولباقة، وأن يتركوا لآبائهم حق تقدير الموقف في اتخاذ القرار المناسب بحكم موقعهم وما لديهم من خبرة وتجارب.