أحمد مراد (القاهرة)
تعد المستشرقة الألمانية، زيغريد هونكه، من أشهر المفكرين والباحثين في مجال الدراسات الدينية والاستشراقية، وقد عُرفت بكتاباتها المنصفة للإسلام.
درست هونكه علم أصول الأديان والفلسفة وعلم النفس، وحصلت على شهادة الدكتوراه في 1941، وبعد سقوط ألمانيا في الحرب العالمية الثانية رحلت إلى المغرب وعاشت سنتين في طنجة، وتعلمت اللغة العربية وأتقنتها، وأخذت في قراءة التاريخ العربي، بعدها عادت إلى ألمانيا، وألفت عدة كتب عن إنصاف الإسلام والمسلمين، من أبرزها كتابها الشهير «شمس الإسلام تسطع على الغرب»، الذي صدر العام 1960، وتمت ترجمته إلى 17 لغة، واستمرت في تسجيل شهاداتها المنصفة للدين الحنيف حتى وفاتها سنة 1999. في كتابها، تقول هونكه: «إن الإسلام أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحةً وإنصافاً، نقولها بلا تحيز ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد، وإذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه والجهل البحت به، فإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق مع ضمان حقه في أن يكون كما هو».
وفي كتاب آخر حمل عنوان «التوجه الأوروبي إلى العرب والإسلام.. حقيقة قادمة وقدر محتوم»، تقول زيغريد هونكه: «الإسلام هو المحرك للمسلمين للخلق والإبداع، والدافع للبذل والعطاء، فدان لهم العالم، فأناروه بنور الحضارة الساطع، وأظلوه بظل المدنية الوارف».
وفي إحدى كتاباتها الأخرى، تقول زيغريد: «لا إكراه في الدين».. تلك هي كلمات القرآن الملزمة، فلم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصرانياً، ولليهودي أن يظل يهودياً كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم، ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضرراً بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وبيعهم وصوامعهم وكنائسهم، فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن الإسلام والمسلمين: «إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف».
وحرصت زيغريد هونكه في كتاباتها على بيان مواقف فريدة للتسامح العربي والإسلامي، مثل موقف المسلمين من أسرى الحروب الصليبية وما تلقاه هؤلاء الأسرى من حسن المعاملة، فتقول: اتسمت معاملة العرب للأسرى المسيحيين بالحسنى والنبل والشهامة، وقد كان ذلك محط تقدير واحترام ألمانيين، فهذا أوليفيروس الواعظ والمعلم الكنسي، والمكلف بالدعاية للحملات الصليبية يكتب رسالة إلى السلطان الكامل العام 1221، يقول فيها: «منذ أقدم العصور لم نسمع بمثيل لذلك، جموع من الأعداء تتحلى بمثل تلك الأخلاق الكريمة تجاه أسراهم.. لا أحد يجرؤ على الشك بأن تلك الأخلاق النبيلة واللطف والرحمة والشفقة هي هبة الله لك، أولئك الرجال الذين قتلنا آباءهم وأمهاتهم وأبناءهم وبناتهم وإخوتهم شر قتلة، كانوا هم الذين أقروا عيوننا وأنعشونا وأحيونا بطعامهم وشرابهم بعد أن شارفنا على الموت جوعاً».
وتضيف هونكه: «هذه الشهامة وروح الفروسية لم تكن استثناء وحيداً، إذ طالما أخجلت السماحة العربية أولئك الذين يسعون بلا شفقة ولا رأفة لهدم الإسلام وتقويض بنيانه».