القوات الأممية في الكونغو... مهام غير ناجزة
بحكومة ديمقراطية وليدة، وعملية سلام رسمية قائمة، أمكن التوصل إليها في نهاية المطاف، تحتفل جمهورية الكونغو الديمقراطية هذا الشهر بالذكرى الخمسين لاستقلالها عن المستعمر. وكان طريق هذه الدولة للحكم الذاتي مليئاً بالعقبات، ومنها حكم ديمقراطي طويل، وحربان مدمرتان، وشبه انهيار للدولة. ولكن الرئيس "جوزيف كابيلا" اختار طريقة خطرة للغاية للاحتفال بهذه المناسبة، حيث يريد سحب معظم جنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، قبل الاحتفال بذكرى الاستقلال على أن يتم سحب الجزء الباقي بحلول الصيف القادم.
وهذا الطريق لا يمثل سوء تقدير فادح وخطر على نظام كابيلا وشعبه فحسب، ولكنه يخاطر أيضاً بتبديد مليارات الدولارات، التي استثمرت في إعادة بناء الكونغو، كما يخاطر بهز استقرار منطقة هشة تقع في قلب أفريقيا.
فشرق الكونغو المشهور بمعدلاته الصادمة من العنف الجنسي، وعمليات السلب والنهب الواسعة النطاق للموارد الطبيعية الموجودة فيه، لا يزال في حالة حرب، على الرغم من اتفاقات السلام، وعملية التسوية بين" كابيلا" والرئيس الرواندي "بول كاجامي". فالحرب بين "قوات الجيش الكونغولي"، الذي يقوده قادة عسكريون لا يزالون مرتبطين بحركة التمرد السابقة المعروفة باسم"المؤتمر الوطني الشعبي"(CNDP)، وعدد من المجموعات المسلحة التي تشمل "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"(FDLR)، تلحق خسائر فادحة بالمدنيين، وتحول بين مؤسسات الدولة وتكريس وجودها، وهو ما يجري على خلفيه توترات إثنية متفاقمة، ونزاعات مستمرة على الأراضي. وفي الأجزاء الأخرى من البلاد، عجز الجيش الكونغولي عن حماية السكان من هجمات مجموعة "جيش الرب للمقاومة"، وهي مجموعة شرسة اعتادت على اختطاف الأطفال وبتر أعضاء الجسم، وأبادت قرى بأكملها في شرق الكونغو، على مدار عامين تقريباً دون أن ينتبه إليها أحد.
في الشهر الماضي فقط، ساعدت قوات الأمم المتحدة الجيش الكونغولي على التصدي لمجموعة فقيرة التنظيم من المتمردين، سيطرت على عاصمة إقليمية في غرب الكونغو، وهي منطقة قالت الحكومة وغيرها إنها مستقرة بدرجة تسمح بانسحاب فوري لقوات حفظ السلام منها.
وهذه البيئة خطرة كما هو واضح للحكومة، كما تمثل في الوقت ذاته مخاطر جدية لبعثة الأمم المتحدة الموجودة منذ عقد من الزمان لدعم عملية السلام هناك، التي أنهت واحداً من أكثر حروب الكونغو دموية دماراً.
ومن سوء الحظ، أن "بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية" MONUC تعاني من مشاكلها الخاصة المتمثلة في فقدانها للمصداقية في أعين السكان المحليين، الذين يرون جنودها، وهم يتعاونون مع الجنود الكونغوليين الذين يسيئون معاملتهم - معاملة السكان - أثناء القتال المشترك الذي يخوضانه ضد "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، والمتمثلة كذلك في عجز تلك القوات عن توفير الحماية الكافية للسكان ضد أعمال العنف، التي تمارس ضدهم على نطاق واسع، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقة بشكل كبير. وعلى الرغم من الأداء الإشكالي لـ(MONUC) في الآونة الأخيرة، فإن الكثير من الكونغوليين يرون وجودها ضرورياً حيث تمثل رادعاً قوياً ضد العنف الأشد دموية، الذي تمارسه مجموعات مسلحة متمردة، أو الجيش الكونغولي ذاته. وبالنسبة للحكومة تتمثل فائدة( MONUC) في أنها توفر ضماناً أمنياً في منطقة تعج بالجيران المتطلعين للحصول على فرصة للوصول إلى الموارد الطبيعية المغرية الواقعة في الأراضي الكونغولية.
هنا لابد أن يخطر على الذهن سؤال: طالما أن الأمر كذلك، فما الذي يجعل كابيلا يعتقد أنه من الحكمة مطالبة هذه القوات بالرحيل قبل الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال؟ إن عمل حملة دعاية للاحتفال بيوم الاستقلال لا يوفر في حد ذاته سبباً كافياً يدعوه لتعريض بلاده لخطر جسيم، وهو ما حداه للبحث عن سبب آخر. في اعتقادي أن الجدول الزمني المحدد للانسحاب النهائي لتلك القوات من الكونغو يوفر سببا منطقياً، ربما يكون هو الذي يقف وراء قرار كابيلا.
فالتاريخ المحدد لانسحاب هذه القوات يأتي بعد شهر واحد من عقد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2011 ، والحزب الحاكم يرى أن وجود الأمم المتحدة سوف يؤثر على حريته في إجراء حملته الانتخابية بالطريقة التي يريدها، كما أنه لا يرغب كذلك أن تكون هذه الانتخابات بمختلف مراحله محل مراقبة شديدة سواء من الأمم المتحدة أو من قوى أخرى خارجية.
في الوقت الراهن يقوم مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر التفويض الخاص بنشر هذه القوة في الكونغو الديمقراطية، بوضع الأسس التي بموجبها سيتم الانسحاب التدريجي لها من هذا البلد خلال الفترة القادمة وفقا لمعدل تحسن الظروف وهو قرار حصيف في نظري، إذ ليس من المنطقي أن تظل قوات حفظ السلام في بلد ما للأبد. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة نفسه في آخر تقرير له عن الوضع في الكونغو، وهو إن مهمة الولايات المتحدة هناك يجب أن تتحول من حفظ السلام إلى بناء السلام وبالذات في مجالي تحسين قدرة الدولة، وتعزيز أسس الحكم الرشيد.
غير أن ادعاءات الحكومة الكونغولية بأن البلد قد أصبح في حالة تسمح بإجراء تخفيض جزئي لأعداد تلك القوات، لا يتماشى مع الحقائق على الأرض.. فلا يزال مطلوبا من الحكومة أن تثبت أنها قادرة على ملء الفراغ الذي سينشأ حتما إذا ما انسحبت قوات الأمم المتحدة، أبكر من اللازم.
لقد أثبت التاريخ أنه ليست هناك لحظة معينة لإنجاز تلك القفزة من حفظ السلام إلى بناء السلام، بيد أن الشيء المؤكد هو أن الكونغو يحتاج في الوقت الراهن إلى الاثنين معا.. وأن قرار كابيلا كان خطوة في الاتجاه الخطأ، وأن الحكومة الكونغولية والمجتمع الدولي، يحتاجان في الوقت الراهن لصياغة رؤية واستراتيجية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، تمتد لما وراء الانتخابات الرئاسية، وتحقق للبلاد في النهاية الخروج نهائياً من حالة الصراع.
فابيان هارا
نائبة رئيس وحدة الشؤون التعددية بمجموعة الأزمات الدولية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»