ولدت الدكتورة موزة عبيد غباش، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات، سابقاً، في منطقة الرأس في دبي، وهي منطقة سوق الذهب اليوم. ولا تزال غباش تذكر حتى اليوم ذلك البيت الكبير المبني على طراز العمارة الإسلامية بأعمدته ونقوشه والزخارف المحفورة في المبنى، وما كان يميز ذلك البيت هو العدد الكبير لأفراد الأسرة. مجلس نسائي من باقة ذكرياتها، تقطف غباش بعض مشاهد من طفولتها، تقول: «كان لوالدي مجلسه ولوالدتي عوشــــــة بنت حسين مجلس نسائي، وكل من المجلسين يستقبل كل يوم الأقارب والجيران والضيوف والمعارف. وكانت غالب الحوارات التي تدور في المجلسين وطنية واجتماعية ولم تكن حوارات تقليدية، حيث كانت الأفكار تتناول القومية العربية وخروج الاستعمار البريطاني وما كان يحدث آنذاك في العراق وغيره من البلاد العربية». كان هذا النوع من الحوار يدور بين النساء اللاتي لم يدخلن مدارس التعليم النظامي، وتجد أن من أهم ذكريات تلك المرحلة أن بيتهم كان يتسع لكل الحالات الاجتماعية من فقر وترمل وطلاق، وهناك أيضاً من يأتي طلباً للمشورة أو النصح أو الصلح مع شخص ما، ولذلك عندما تم فتح أول مدرسة كانت الأسرة قد استوعبت المعنى الكبير لأهمية التعليم. تقول: «أهم ذكرى لي في مرحلة بداية التعلم هو ارتباطي الكبير بالتعليم، حيث كنت كثيرة التفكير فيما سأكون عليه مستقبلاً، وزاد من ذلك الحب والارتباط في وجداني زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم -طيب الله ثراهما- لمدرستي وتشجيعهما لنا على مواصلة التعليم والتفوق». ذكريات الدراسة حلمت غباش، وهي صغيرة، بأن تصل إلى أعلى مراتب التعليم، ولذلك عندما قررت الإمارات ابتعاث طلبتها لإكمال تعليمهم الجامعي في الخارج -حين لم يكن هناك بعد جامعة في الإمارات- كانت موزة غباش الطالبة من ضمن 15 فتاة تم ابتعاثهن للكويت، وكان الحماس هو الشعور السائد لدى الطالبات. وترى غباش أن الإمارات منذ قيامها «شهدت نهضة تعليمية حيوية، فبناء الإنسان أهم ما يعني الحكومة؛ ولذلك ما أن أنهيت الثانوية حتى التحقت بالتعليم الجامعي في دولة الكويت، واعتبر تلك المرحلة من أصعب المراحل، نظرا لأنني كنت أسافر لأول مرة وأبتعد عن حضن الأسرة، خاصة أن مجتمع الكويت آنذاك كان أكثر تطوراً وانفتاحاً من الإمارات». وعن أهم ذكريات الدراسة في الكويت تقول: «لم أحتك بشكل شخصي وبعيد عن التعـــــــــــــليم إلا مع أســـــــــرتين بتوصية من والدي، وتفرغت لمزيد من القراءة والبحث، وكنتُ أبحث في مضـــــــــمون كل كلمة في المنهاج، وأحاول فهـــــم الكتب بشكل مختلف عن المطلوب أو الســـــائد لأصل إلى حقائق المعرفة، حتى تبينت فكرة النقد المعرفي الدائم». مضامين العروبة خلال مراحل دراسة الدكتورة غباش لم تكن مجرد طالبة تبحث عن شهادة جامعية. تقول في ذلك: «كنتُ طالبة باحثة عن مضمون الكتب لأبعد ما أستطيع.. وهذه أهم ذكرى وإشارة لا أزال أشعر بها حتى اليوم تماماً، كما كانت بالأمس البعيد». وعن عملها بعد التخرج، تقول: «عملت في عام 1977 في جامعة الإمارات معيدة مدة عام، ثم تم ابتعاثي إلى أميركا من ضمن المعيدين للدراسات العليا، وفي واشنطن شعرت بمعاناة نفسية وفكرية، ورغم التطور في شخصيتي، ورغم وجود طلبة من مختلف أنحاء العالم، إلا أنني أرى (من يملك عين سياسية يتعب هناك)». تلك القناعة حملت لها صراعاً أكبر مما تستوعب آنذاك، حيث وجدت أن غالب المجتمع ضد العروبة، فخشيت أن تعيش ذلك الصراع طوال فترة الدراسة، فهربت من هناك إلى مجتمع عربي يحمل مضامين العروبة، فكان جمهورية مصر العربية. تقول: «في القاهرة تخصصت في علم الاجتماع السياسي ومن هناك أعدت رسالة الهجرة الأجنبية إلى دولة الإمارات، والتركيبة السكانية وآثارها الاجتماعية والثقافية والسياسية، ثم ألحقت ذلك بالدكتوراه في موضوع التغير الاجتماعي السياسي، وأثره في التشكيل الطبقي، وكنت أتمنى لو ترجم ذلك إلى استراتيجيات عمل تنفيذية». بعد عودتها من مناقشة رسالة الدكتوراه، عادت للتعليم في جامعة الإمارات واستمرت فيه مدة 13 عاماً، وتشعر أنها نجحت في إثارة الوعي الاجتماعي بالظواهر الاجتماعية، ونجحت كذلك في إنتاج جيل يشعر بمعنى الهوية الوطنية، وهي اليوم رئيس مجلس إدارة «رواق عوشة بنت حسين الثقافي والأدبي» وتقيم من خلاله الأمسيات الشعرية والمحاضرات الأدبية.