جاسم العوضي: التصوير حالة توق إلى حرية أخرى
أقامت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في مقرها مساء أمس الأول عرضاً لتجربة المصور الفوتوغرافي جاسم ربيع العوضي عبر تقنية البروجكتور، وذلك في إطار مهرجان الفنون الإسلامية «فلك الفسيفساء» المقام حاليا في الشارقة ويستمر حتى نهاية شهر رمضان.
وجرى خلال العرض تقديم قرابة أربعين عملا فوتوغرافيا عرضت دون تسلسل زمني تبعا لالتقاطها، بحضور الفنان جاسم العوضي وجمهور من التشكيليين والمهتمين. وقال العوضي ل»الاتحاد» حول عمله الذي ينزع إلى الطبيعة الصامتة «لقد عملتُ خبيرا في مسرح الجريمة لأكثر من سبعة عشر عاما، ولا أنكر أن عملي الفوتوغرافي قد تأثر بعملي المهني». وأضاف «دون وعي مني أحيانا أجد نفسي أبحث عن أثر ما ربما يكون غير طبيعي حضوره بالنسبة للمشهد، أيضا هناك دقة في التقاط جانب من الجوانب والذهاب نحو زوايا خاصة تبرز عنصرا من العناصر على حساب العناصر الأخرى ربما. وهذا ما تأصل لدي على نحو عفوي فيما أحسب.» ويقول «التجربة الفنية، ربما تكون تجربة تقنية. وفي الصور الفوتوغرافية التي ظهرت فيها الوجوه في هذا العرض، لم أستخدم الكاميرا بل استخدمت ما يعرف تقنيا بالماسح الإلكتروني لإلغاء البعد الذي تبرزه الكاميرا على نحو حتمي، هنا حصلت على البعد الثالث حيث تغيم الألوان نسبيا ما يمنحها برودة قد يشعر بها الناظر إلى العمل، بهدف الوصول إلى حالة تعبيرية مغايرة». وعن الصورة الفوتوغرافية بوصفها وثيقة أشار إلى أن أي عمل «إذا خلا من الجانب الفني فإنه يتحول إلى وثيقة، وهنا يغيب الإبداع وتحضر الدعاية». ويدلل على ذلك بالقول «خذ مثلا، نحن العرب لم نستفد من الوثيقة كما استفادت جماعات وشعوب أخرى. لعل يهود أوروبا هم أكثر المستفيدين من هذه الوثيقة للدعاية إلى الهولوكست منذ أربعينات القرن الماضي حتى الآن، بالمقابل وبعد كل ما حدث في غزة، أين هي غزة الآن؟». كما رأى العوضي أن «قيمة العمل الفني لا تتحدد بجماليته بل بالفكرة التي يطرحها، سواء أكانت بسيطة أم معقدة. لذلك أقول إن أغلب ما ينتجه مصورونا ليس على صلة بفن التصوير الفوتوغرافي على نحو عميق، بل إن أغلب الأعمال أقرب ما تكون إلى فن البوستر». وأضاف»إن لم تتحول الحالة الفكرية إلى حالة بصرية فهي لا تدهشك. وليس من الضروري استخدام كاميرا ما من نوع ما وعدسة خاصة بفتحة محددة لإنتاج قيمة فكرية وجمالية بل يمكن للمصور إلغائها واستخدام الماسح الإلكتروني للوصول إلى نتائج معبرة. وهذا «النزوع إلى التجريب» هو الذي يصنع الاختلاف». وعن التصوير ودوره ووظيفته أكد الفنان جاسم ربيع العوضي «ليس التصوير تأدية لغرض، كأنْ نكون في رحلة أو في مناسبة، بل هو تالٍ على التصوير الصحفي، هناك الخامة وضرورة معرفة طاقتها التعبيرية، وهناك الضوء وإلى أي حدّ من الممكن الاستفادة من حساسيته، وسواها من الأمور التقنية هي التي أمام المصور الفوتوغرافي والتي تتيح له الانتقال من مادة إلى أخرى يستطيع من خلالها التعبير أكثر عن أفكاره ومشاعره.» متسائلا « أهذا هو التجريب؟ ربما. ولا أدري إلى أين أنا ذاهب، وكل ما أعرفه هو أنني أحاول القيام بتقديم شيء جديد باستخدام الخامة على نحو يبرز الفكرة بالشكل الذي يتناسب مع هذه الخامة ومع طاقتها التعبيرية». ورفض الفنان الفتوغرافي أنْ يُحسب صنيعه الفني على التوثيق قائلا «لست موثّقا، والتوثيق شأن سواي من الفنانين بل هناك مَنْ هم أفضل مني فيه. إنني أركّز في عملي على الخامة التي تمنحك بقدر ما تفكر وتتخيل، وبحيث يمنح العمل المتلقي مساحة من معناه وبحيث تكون له حرية التأويل». مؤكدا أن «التصوير بالنسبة لي لم يعد وثيقة من المطلوب منها أن تقوم بدور ما، إنه الآن وسيلة عبرها أقدم فكرة ما في «حالة» بصرية، مبعثها الأساسي هو التوق إلى الحرية؛ هي حرية أخرى، إننا أسرى حيّز ضيّق ما بل وفكرة ما عن الحرية، ونشبه تلك الفراشة التي كانت يرقة فظنت أنها قد تحررت من فكرتها عن ذاتها وعن العالم. إنها بحث عن مختلف وآخر والذي لا نتوقعه وما نصبو إليـــه فيما نحن لا ندركه الآن تماما». وبالصدد ذاته قال الفنان جاسم ربيع العوضي مختتما حديثه ل «لاتحاد» «الصورة إن بقيت على الحائط تموت. لشدة ما تذّكر الصور التي على الحائط بالموتى في ذاكرتنا الجمعية. الصورة ترجمة للأحاسيس ولما يشغل الفنان من أفكار وهواجس تعبّر عن موقفه الثقافي والجمالي». ويمكن القول إجمالا إن في تجربة الفنان جاسم العوضي صمت عميق من كثرة ما فيها من أماكن مهجورة قد مرّ بها أحد ما ومضى وقد ترك أثرا ما. مع ذلك هناك «اللوحة» الفوتوغرافية «المصنوعة» عن قصد لجهة العناصر المتواجدة فيها سواء البشرية أو الطبيعية، والتي تتقلب على أوجه عديدة للتأويل لما فيها من مضامين فكرية إذا جاز التوصيف، إلى ذلك، ثمة الوجه البشري في حالاته التعبيرية الخاصة التي تمتاز بدفق من المشاعر وقد التقطها بالأسود والأبيض غالبا.
المصدر: الشارقة