أحمد مراد (القاهرة)
قبل الهجرة النبوية بثلاثة أعوام، ولد عبدالله بن عباس في مكة، وهو ابن عم النبي العباس بن عبدالمطلب، وفي سنة 8 هجرية هاجر مع أبيه إلى المدينة، ولازم النبي عدة سنوات، وروى عنه مئات الأحاديث النبوية.
تقرب ابن عباس من النبي، وقد أحبه النبي كثيراً وأعجب بذكائه وحرصه على طلب العلم رغم صغر سنه، وكان من التلاميذ النجباء في مدرسة النبوة، وقد دعا له النبي بأن يفقهه الله في الدين، ويعلمه التأويل، ويزيده الله فهماً وعلماً.
وطوال الفترة التي لازم فيها عبدالله بن عباس النبي جمعتهما مواقف كثيرة، فذات مرة أتي النبي بشرابٍ وكان في مجلس، فشرب منه النبي، وكان عن يمينه عبدالله بن عباس، وعن يساره أبو بكر وعمر وعدد من كبار الصحابة، فلما شرب النبي الماء قال لعبد الله: هل تأذن لي أن أسقي هؤلاء الأشياخ قبلك؟، فقال عبد الله: يا رسول الله، ما كنت لأوثر بنصيبي منك أحداً، أي لا يهمني الماء ما كنت عطشان، لكن كل همي أن أشرب بعدك، فيكون فمي في المكان الذي شربت منه، وأنال بركة هذا الماء الذي شربت منه، فتله رسول الله، أي أعطاه إياه.
بات عبد الله بن عباس ليلة كاملة في بيت رسول الله حتى يحفظ طريقة صلاة النبي، لما دخل مع النبي البيت، قال: «افرشوا لعبد الله»، فأتيت بوسادة من مسوح، فقدم رسول الله فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه، فرفع رأسه إلى السماء، فقال: «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرات، ثم تلا الآية من آخر سورة آل عمران، ثم قام فبال، ثم استنَ بسواكه، ثم توضأ، ثم دخل مصلاه فصلى ركعتين ليستا بقصيرتين ولا طويلتين، فصلى ثم أوتر، فلما قضى صلاته سمعته، يقول: «اللهم اجعل في بصري نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في لساني نوراً، واجعل في قلبي نوراً، واجعل عن يميني نوراً، واجعل عن شمالي نوراً، واجعل أمامي نوراً، واجعل من خلفي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، واجعل من أسفل مني نوراً، واجعل لي يوم القيامة نوراً، وأعظم لي نوراً».
ويروي ابن العباس أُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليا، ثم التفت فقال: «يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن في الصبر على ما تكرهه خيرا كثيرا، واعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أنَ مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر».
وأثنى النبي على ابن عباس قائلاً: «إن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس».
وعندما بلغ عبدالله بن عباس الثالثة عشرة من عمره، توفي النبي، وواصل ابن عباس رحلته العلمية حتى صار فقيها كبيرا، ولقب بـ «ترجمان القرآن»، وكان الخلفاء الراشدون يستشيروه في الأمور التي تحتاج إلى تفكير عميق ورأى سديد، وكان الخليفة عمر بن الخطاب يقول له: لقد علمت علما ما علمناه.
توفى ابن عباس بالطائف سنة 68 هجرية.