خولة علي (دبي)

متحف عجمان أيقونة من الماضي، شيدت بسواعد الأهالي قديماً، كمنصة مركزية مهمة تدار فيها أمور الحكم في الإمارة، وخط دفاعي ضد أي هجمات خارجية، فهو درعها الحصين، ومكمن قوتها وصمودها ضد الغزاة، هذه الحقبة الزمنية التاريخية، ظلت ذكرى محفوظة بين طيات المكان، لتتحول إلى متحف غني وثري لمرحلة مهمة من تاريخ وتراث هذه المنطقة، لتطلعنا على الكثير من الملامح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة في تلك الحقبة الزمنية، ويستشعر من خلالها الزائر رحلة العودة إلى الماضي من خلال قراءة المكان، وما ترويه لنا محطاتها المنوعة، من وقفات مهمة تجسد إبداعات ومهارة الأهالي قديماً في تحدي ظروف البيئة وتطويع مفرداتها.

مراحل تطوره
لا يمكن أن نهمل مراحل تطوره، وما تعاقب عليه من عمليات الترميم وغيرها، على الرغم من عدم وجود تاريخ دقيق حول نشأته إلا أن الدلائل تشير إلى أنه بُني في أواخر القرن الثامن عشر، فبعد أن كان مقراً لسكن الأسرة الحاكمة حتى بداية السبعينيات، تحول إلى مقر للقيادة العامة للشرطة حتى عام 1979، وفي التسعينيات وبالتحديد عام 1991 فُتحت أبوابه لاستقبال الزوار كمتحف ومصدر معلوماتي مهم للباحثين عن تاريخ المنطقة.
والناظر في تفاصيل هذه الأيقونة التراثية يجد تنوع محطاتها التي تعكس، وبشكل دقيق، أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية السائدة قديماً، فقبل أن نلج بوابة الحصن الذي يقودنا إلى الساحة الداخلية يتراءى لنا عدد من المدافع القديمة، التي تعيد لنا سطور الممانعة والقوة والصمود وعدم الخنوع والاستسلام. فكيف لا، ونحن نرى هذا الصرح التاريخي يقف شامخاً، على الرغم من مظاهر التطور التي تحيط به، والذي أبى إلا أن يحتفظ في ردهاته بإرث ثقافي وتراثي لمجتمع بسيط، لم يبق من ملامحه سوى صور ومشاهد تعكس أبجدية الحياة قديماً، وتصور رحلة دافئة إلى قلب مجتمع بسيط، لم يكن من أفراده سوى التكاتف في سبيل تطويع مفردات البيئة المحلية، لتحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي وتبسيط حياتهم اليومية التي ظلت عصية على البعض شاقة في ظل ندرة الأعمال في زمن الطيبين، الأمر الذي يدفعهم إلى دخول البحر لأشهر طويلة طلباً لبضع روبيات.

نافذة للعلوم والمعرفة
يقول الباحث التاريخي، علي المطروشي: يعتبر متحف عجمان أحد الصروح التراثية التي تزخر بها دولة الإمارات وتوليها اهتماماً خاصاً، ليضم في ردهاته محطات وأقساماً تعكس أنماط الحياة الاجتماعية قديماً، ويضطلع من خلالها الزائر بطريقة توضيحية مبسطة على مرحلة ما قبل النفط، ووصف واقع حياتي للمجتمع قديماً، والأعمال التي امتهنوها الأجداد في تلك الفترة، والحرف التي مارسوها، وكيف ساهم الأهالي قديماً في ابتكار الكثير من المنتجات من بيئتهم المحلية، ووظفوها في تسهيل حياتهم اليومية، كما استطاعوا أيضاً التداوي بالأعشاب والتطبب بها، ليتحول الحصن إلى نافذة زاخرة بالكثير من العلوم والمعرفة والخبرات الحياتية التي تعتبر إرثاً حضارياً للأجيال، فهو سجل لمآثر الأجداد وتراثهم.
وربما ما يلفت انتباه الزائر هي قسم لمحطة إذاعة عجمان، والتي أنشئت بمجهود شخصي من قبل المواطن عبدالله بن حمضه عام 1961، وتعتبر أول إذاعة شعبية في الإمارات، وكانت برامجها تقتصر على آيات القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر والمنوعات الغنائية، وكانت في ذلك الوقت تعمل الإذاعة على البطاريات الجافة، وبالرغم من شدة الإقبال عليها من قبل المستمعين، ومحاولة إيصال التردد لأكبر قدر ممكن من الناس وتغطية الإمارات الأخرى، إلا أن ضعف الإمكانيات وقتها، حالت دون استمرار المحطة الإذاعية حتى أغلقت عام 1965.

مفردات التراث الشعبي
ويشير المطروشي إلى أن ما يميز المتحف هو طريقة عرض وتصوير البيئة المحلية في الماضي، باستخدام مجسمات لشكل الإنسان وبالحجم الطبيعي مع تمثيل كل بيئة وكل مهنة مارسها الإنسان قديماً بتفاصيلها الدقيقة، مع وجود خلفية صوتية تضفي على المشهد مزيداً من الواقعية، فيمكن أن يتعرف الزائر على الكثير من الحرف والمهن التي كانت تمارس قديماً، من خلال زيارته للمتحف، ويعتبر متحف عجمان هو المتحف الرئيسي لعرض مفردات التراث الشعبي من بين متاحف الدولة، نظراً لاتساعه وتنوع معروضاته.

نسخة مصورة للمصحف الشريف
يضم المتحف أقدم المخطوطات، والتي تعود إلى عام 590هـ، وهي نسخة مصورة للمصحف الشريف، إضافةً إلى بعض المخطوطات الأدبية، ومجموعة نادرة من كتب البلاغة والفقه والتاريخ، كما يمكن للزائر أن يشاهد بعض اللقى الأثرية التي تم العثور عليها في إحدى المدافن بمنطقة مويهات في عجمان، والتي يرجع تاريخها إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.