الكندي عبقري زمانه في الرياضيات ونابغة الطب وأول من وضع سلما للموسيقى العربية ومؤسس الفلسفة الإسلامية وأول من وصف مبادئ ما يعرف الآن بالنظرية النسبية. ويقول الدكتور محمد عثمان الخشت -أستاذ فلسفة الأديان بجامعة القاهرة- إن حكيم العرب أبا يوسف يعقوب بن إسحاق ابن الصباح الكندي ولد سنة 175 هـ وهو من قبيلة كندة التي أقامت جنوب غرب نجد وحفظ القرآن الكريم وهو في الخامسة من عمره والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة عندما كان يعيش في الكوفة مع أسرته الثرية. ويضيف أنه عقب وفاة والده الذي كان واليا على الكوفة تملكته الرغبة في مواصلة الدراسة والتحصيل وتعلم المزيد من العلوم الشرعية والفلسفية فرحل بصحبة والدته إلى البصرة ومكث بها ثلاث سنوات درس خلالها على يد أشهر العلماء• أكبر مكتبة منزلية ويوضح أن الكندي لم يقنع بما حصله من معارف فانتقل إلى بغداد ليدرس على علمائها الطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف الألحان والهندسة وعلم النجوم واتخذ من مكتبة بيت الحكمة التي أنشأها هارون الرشيد مقصدا وصار يمضي أياما كاملة فيها وهو يقرأ الكتب المترجمة عن اليونانية والفارسية والهندية، ودفعه فضوله العلمي لدراسة اللغتين السريانية واليونانية وتمكن من إتقانهما وأنشأ في بيته أكبر مكتبة علمية تفوق في محتوياتها مكتبة بيت الحكمة. فصار الناس يقصدون بيته للتعلم ومكتبته للمطالعة وعكف على ترجمة الكثير من الأعمال وذاعت شهرته في البلاد عندما كان عمره خمسا وعشرين سنة فقط فدعاه الخليفة المأمون ليلتقي به فأعجب بثقافته الموسوعية وغزارة معارفه فتوطدت الصداقة بينهما• وصف مبادئ «النسبية» وقال: بلغت عبقرية الكندي مبلغها عندما وضع المنهج الذي يؤسس لاستخدام الرياضيات في الكثير من العلوم فتمكن من وصف مبادئ ما يعرف الآن بالنظرية النسبية التي بلورها أينشتاين فيما بعد، ويقول فيها إن القيم نسبية لبعضها البعض كما هي نسبية لمشاهدها، وذلك خلافا لما كان يراه العلماء أمثال جاليليو ونيوتن بأن الوقت والفراغ والحركة والأجسام قيم مطلقة، كما تمكن الكندي من وضع أول سلم للموسيقى العربية واستحق عن جدارة ومقدرة لقب «فيلسوف العرب» اعتمادا على كتابه القيم «في الفلسفة الأولى» الذي أهداه إلى الخليفة المعتصم وفي هذا الكتاب نجد عمق آرائه الفلسفية التي عالجت مختلف شؤون المعرفة، كما برز فيه منهجه الذي وفق فيه بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية ولهذا وصفه بعض المستشرقين ومنهم «كاردانو» بأنه واحد من اثنتي عشرة شخصية تمثل قمة الفكر الإنساني• وقال الخشت: اشتهر الكندي بمعرفته في الفلك والفيزياء والطب والصيدلة والجغرافيا وألف أربعة كتب عن استعمال الأرقام الهندية واشتغل بالبصريات أو علم المناظر «الضوء» وأخرج كتابين في هذا العلم سمى الأول «اختلاف المناظر»، وسمى الثاني «اختلاف مناظر المرآة». رسائل في النجوم كما درس أوضاع النجوم والكواكب خاصة الشمس والقمر بالنسبة للأرض، وتوصل لآراء جديدة حول نشأة الحياة على الأرض وكتب رسالة في البحار وفي المد والجزر، وله رسالة في أن سطح البحر كروي محدب كسطح اليابسة ورسم المعمور من الأرض، وفي الكيمياء عارض الفكرة القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة• كما أثبت زيف الادعاء بأثر الكواكب في أحوال الناس ورفض ما يقول به المنجمون من التنبؤات القائمة على حركات الأجرام، وله عدة رسائل علمية في النجوم وأرصادها والهندسة وأعمال البناء خاصة بناء القنوات وصناعة الجواهر والزجاج والعطور وتتجلى إسهاماته في الطب في محاولته تحديد مقادير الأدوية على أسس رياضية ولهذا يعد أول من حدد جرعات جميع الأدوية المعروفة في زمانه• واهتم الكندي أيضا بعلم التعمية واستخراج المعمى «الشفرة وكسرها» ذلك العلم الذي يعد من الامور الحيوية للحضارة المعاصرة لأهميته البالغة في المجالات الأمنية، وخاصة عند التعامل مع المعلومات التي تستلزم درجة عالية من سرية الاتصالات• مؤلفاته ورسائله العلمية ويشير الدكتور محمد الخشت إلى أن الكندي ترجم من كتب الفلسفة الكثير وخلف وراءه مجموعة من المصنفات تزيد على 240 مصنفا بين كتاب ورسالة منها «في ماهية العلم وأقسامه»، «في مسائل سئل عنها في منفعة الرياضيات»، و«في الرفق في الصناعات»، و«رسالة إلى أحمد بن المعتصم في كيفية استعمال الحساب الهندي»، و«رسالة في تأليف الأعداد»، و«رسالة في الكمية المضافة»، و»رسالة في النسب الزمانية» . كما ألف أيضا «رسالة في الحيل العددية وعلم إضمارها»، و»رسالة في أن العالم وكل ما فيه كروي الشكل»، و«رسالة في الإبانة على أنه ليس شيء من العناصر الأولى والجرم الأقصى غير كروي»، و«رسالة في أن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جميع الأشكال البسيطة»، و«رسالة في أن سطح ماء البحر كروي»، و«رسالة في تسطيح الكرة»، و«رسالة في مسائل سئل عنها من أحوال الكواكب»، و«رسالة في الشعاعات»، و«رسالة في علل الأوضاع النجومية، و«رسالة في علل أحداث الجو»، و«رسالة في تقريب وتر الدائرة» وغير ذلك كثير• وتوفي الكندي سنة 256 للهجرة وترجمت أعماله إلى اللغات الأوروبية وتركت تأثيرها في النهضة الغربية على مدى قرون عديدة•