كنت قد بدأت أبدي إعجابي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب لقيامه ببناء اقتصادٍ أميركي هو من الأفضل في التاريخ الحي ولموقفه الثابت ضد إيران، الراعية الأكبر للإرهاب في العالم، لكنه وقع في أخطاء عدّة في تقديري من خلال ترويجه لخطاب الكراهية الذي يؤلّب الشعب الأميركي على الإسلام. لقد تعرّض ترامب للانتقادات في السابق لقيامه بإعادة تغريد نظريات المؤامرة الغاضبة الصادرة عن ألكس جونز والاستشهاد بنصوص من مواقع إلكترونية تُروّج لتفوّق العرق الأبيض، لكنه ذهب، في رأيي، بعيداً جداً في هفوته الأخيرة.
فقد اختار، في خطوةٍ شكّلت مفاجأة وخيبة أمل كبيرتَين لي، إعادة تغريد مقطع فيديو بعنوان «النخبة تدّعي أنه على أميركا الرضوخ للإسلام وإلا». الفيديو عبارة عن مقتطف من مقابلة متلفزة مع إمام شيعي يرتدي زياً أسود، ومن المؤكّد أنه ليس رجل دين تقياً ولا ممثّلاً للعقيدة الإسلامية القائمة على السلام والتسامح.
يبدو هذا الإمام وكأنه مستنسَخ عن الإرهابيين الفاشلين على غرار أيمن الظواهري من تنظيم القاعدة والبغدادي من تنظيم داعش، ولا يستحق منحه وقتاً عبر الأثير، فكم بالأحرى تسليط الأضواء عليه من قبل قائد العالم الحر. لا أعرف مَن هو، لكن من الواضح أنه يبثّ رسالةً سامّة، ويلعب على وتر رهاب الإسلام في أوساط قاعدة ترامب.
فقد قال: «سوف نغزو أميركا ونهزم هذا الطاغية. ونقول للشعب الأميركي ادفعوا لنا الجزية. نقول لهم ادفعوا الجزية وإذا رفضوا، سنقاتلهم ونسبي نساءهم وندمّر كنائسهم». وختم قائلاً: «فليسمع العالم بأسره، هذا هو الإسلام».
لا، هذا ليس الإسلام. تلك المشاعر هي نقيض الإسلام بعينه. فهذا الأحمق الذي يدّعي أنه رجل الله لم يُشوّه وحسب رسالة الخالق الواردة في القرآن الكريم، بل إنه يُحرّض أيضاً ضعفاء العقول على قتل المسيحيين. يجب إلقاء القبض عليه أو حجره في مصحّ عقلي.
العالم مليء بالمجانين الحانقين في أيامنا هذه. فالمتعصّبون البيض الذين قتلوا المؤمنين المصلين المسلمين في كريستتشرش وأولئك الذين فتحوا النيران على المصلّين اليهود في بيتسبرغ وكاليفورنيا هم الوجه الآخر للعملة القذرة نفسها كما الإرهابيين الذين فجّروا الكنائس والفنادق في سريلانكا.
إنهم نكرة مشوَّشون ذهنياً يحاولون الظهور مستغلّين دماء الأبرياء. لقد ساهمت الأحداث المروّعة في نيوزيلندا والولايات المتحدة في دفع الجماعات الدينية المختلفة إلى رصّ صفوفها تعبيراً عن الأسى والحزن، ولابد لي من الإشادة برئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردرن على أسلوبها الدمث في تعزية المفجوعين ولمّ الشمل بين الأشخاص من مختلف الأديان.
ما يُثير غضبي هو التغريدة التي نشرها الرئيس الأميركي والتي أثارت ردوداً كثيرة تنضح تعصّباً وعنصرية، ومنها التغريدة التالية التي نشرها حسابٌ يحمل اسم «وطني زميل» (Fellow Patriot): «لن يصلوا إلى أي مكان إلا إذا سيطروا على أسلحتنا... وهذا لن يتحقق أيضاً». إنه لأمرٌ معيب أن ترامب لم يقرأ بكتاب جاسيندا أردرن! لقد بثّت هذه الأخيرة أجواء من التعاطف والمسامحة. أما الرئيس الأميركي فيُشجّع العكس تماماً.
يُقلقني أن غير العقلاء قد يأخذون التهديدات الحمقاء الصادرة عن «رجل الدين» على محمل الجد لمهاجمة المسلمين. كان الأمر ليختلف لو أن الرئيس أضاف تعليقه الخاص مستهزئاً بالرجل الذي يشوّه سمعة 1.6 مليار مسلم يعيشون على وجه الأرض. كان على ترامب أن يُظهر بوضوح أنه لا يتعامل بجدّية مع كلام ذلك المغفل. آمل بأن أكون مخطئاً في انطباعي هذا.
سيد ترامب، تقريباً جميع البلدان ذات الأكثرية المسلمة فتحت أبوابها أمام المسيحيين والشعوب من مختلف الأديان وأتاحت لهم ممارسة معتقداتهم الدينية بحرية. هناك نحو 40 كنيسة في وطني الإمارات، حيث يعيش أشخاصٌ من مختلف الطوائف والمذاهب، وتضم البحرين والكويت وسلطنة عُمان وقطر أعداداً كبيرة من الكنائس.
في وقت سابق من العام الجاري، قام البابا فرنسيس بزيارة تاريخية إلى دولة الإمارات، حيث أقام قداساً. استُقبِل بأذرع مفتوحة ليس فقط من الكاثوليك إنما أيضاً من القادة الإماراتيين وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي يُعتبَر الشخصية الدينية الأهم في العالم الإسلامي.
وتضم العاصمة الإدارية الجديدة التي يجري العمل على بنائها في مصر، الكاتدرائية الأكبر في الشرق الأوسط على مقربة من مسجد الفتاح العليم الجديد الذي يُعتبَر من الأكبر في العالم. والرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي هو أول رئيس يزور كاتدرائية قبطية في قداس عيد الفصح. وهو يدأب باستمرار على توجيه دعوات للتسامح والتعايش السلمي وإصلاح الخطاب الديني.
أودّ أن أذكّركم، سيد ترامب، بأن الإسلام يعتبر المسيحيين واليهود أهل الكتاب، أي أتباع الديانتَين التوحيديتين اللتين سبقتا الإسلام، وبناءً عليه يحصلون على الاحترام المستحَق. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الزيارة التي قام بها الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس في العام 637، حيث وافق على استسلام المدينة بعد 500 عام من القمع الروماني.
وقد سمح الخليفة لليهود بالعيش داخل جدران المدينة، وعندما تلقّى دعوة لزيارة كنيسة القيامة خلال وقت الصلاة، رفض الدعوة التي وُجِّهت إليه للصلاة في الكنيسة لسببٍ وحيد هو الخشية من أن المسلمين قد يحاولون تحويل الكنيسة إلى مسجد.
سيدي، تقول إنك مسيحي. يعتقد بعض الإنجيليين البارزين، ومنهم وزير خارجيتك مايك بومبيو، أنك مرسَل من الله. افتح إنجيل متى 5:9، حيث يمكنك أن تقرأ كلام سيدنا المسيح عليه السلام القائل: «طوبى لصانعي السلام...». تحتاج منطقتي إلى السلام. ويحتاج عالمنا إلى صانعي سلام. يجب وضع حدٍّ لآفة التعصّب والعنصرية الآخذة في التوسّع قبل أن يجمع صنّاع التوابيت ثروات طائلة. إذا كنتَ مهتماً لإرثك، اعمل جاهداً لتحقيق اللحمة بين المسلمين واليهود والمسيحيين، وامتنع رجاءً عن نشر مقاطع فيديو لمشعوذين دينيين يحاولون زرع التفرقة في صفوفنا.