عصام أبو القاسم (الشارقة)
يواجه المبدعون، خاصة بعد عبورهم المرحلة التمهيدية، وتحقيق الظهور في المشهد الثقافي، ضغوطاً من جهات عدة: الأصدقاء، ووسائل الإعلام، والندوات والجوائز الأدبية والثقافية، معارض الكتب ودور النشر وكلاء الترجمة، والنقاد، كل هؤلاء ينتظرون منتجاً إبداعياً جديداً، في كل مرة.
ويجد المبدع نفسه محاصراً بأسئلة، مكررة، من نوع: ما الجديد، ما عنوان عملك التالي؟ في السنوات الأخيرة، زادت وسائل الطباعة والتوزيع، وتكاثرت دور النشر وتوسعت سوق الكتاب، وغدت ورقية وإلكترونية، كما أن الجوائز والمناسبات الفنية والأدبية المتزايدة، أضفت زخماً إعلامياً وثقافياً أكثر على المهن الإبداعية بشكل مجمل، فهل أثرت هذه المتغيرات على علاقة المبدع بحجم إنتاجه بين القلة والوفرة؟ (الاتحاد) استطلعت عددا من الكتّاب الإماراتيين فجاءت إفاداتهم كما يلي:
الشهرة مؤقتة
بالنسبة للكاتبة لولوة المنصوري، مقياس الإبداع «يكمن بمستوى العمق والنضج والتميز»، فهي لا تراهن على «الغزارة» خشية التكرار، ولا ترى أن من المهم على المبدع أن يقلق حول درجة حضوره أو غيابه عن الساحة الثقافية قياساً على ما يصدره من كتب، وتقول: «ليس مهماً أن نكون في قلب المشهد الإبداعي أو في صدارته بصورة دائمة ولا أرى القفز المتكرر للإنتاج في دورة زمنية واحدة أمراً منطقياً إلا في حالة التمدد السردي الذي يفرضه زخم المعاناة والغنى العميق للأحداث المتكالبة بصدمتها وكثرة تقلباتها في محطة زمنية واحدة».
وبحسب المنصوري، فإن المبدع بحاجة إلى نوع من الإنصات والصبر لا الاستعجال، حتى يأتي نتاجه عميقاً ومؤثراً، وتقول: إن على الكاتب أن «يتقبّل صمت أفكاره وانغلاق روحه حين وصوله لسدّ الكتابة المؤقت أو Writer’s block وعلينا حينها أن نتمرّس على شجاعة التوقف، لا الخوف من هذا السد وتجاوزه بالقفز السريع في الفوضى بين ضفاف التجربة».
الإبداع طاقة وزمن
أما الكاتب جاسم الخراز الذي يكتب أكثر للمسرح والتلفزيون، فعنده الأمر يختلف من كاتب لآخر ومن وقت لآخر أيضاً، ويشرح: هناك كتّاب يعيشون فترات من التدفق الإبداعي نتيجة محفزات فيها ما هو نفسي وفيها ما يتعلق بنجاحات سابقة أو حفاوة نقدية ما وحتى ما يتصل بالكسب المادي، ومن هنا، كما يشير الخراز، نجدهم ينتجون أكثر فأكثر، ولكن، بالمقابل، ثمة لحظات، تمر بالمبدع يشعر معها بحالة من الفتور والتيه أو بضعف الثقة ويحس بعدم القدرة أو الرغبة في تقديم ما يوازي نجاحاته السابقة».
ونتيجة لذلك، يقول الخراز «يعجز عن إصدار أي نص جديد. البعض يركز على جودة وقيمة العمل بعيداً عن عامل الزمن أما البعض الآخر فيتغاضى عن الكيف مقابل الكم.. بالنسبة لي أفضل تقديم ما هو مقنع وما يرضيني أولاً قبل الآخرين وأفضل ترك مسافات زمنية بين الأعمال لتحفيز الذاكرة عن طريق القراءة والاطلاع».
الكتابة إرادة
«الكتابة هاجس وإلحاح، وكلما انتهيت من نص أشعر بالذنب إذا لم أبدأ نصاً آخر»، هكذا بدأت الروائية والقاصة فتحية النمر إفادتها، وأضافت: لكن لكي نشعر بالذنب لا بد من وجود ما يستحق الكتابة عنه ويحتاج إلى جهد وتفكير وتخطيط والتزام وإرادة قوية.. لكن فيما إذا لم أَجِد ما يستحق الكتابة عنه فلا مفر من التريث والانتظار، النص المكتوب هو الحكم وهو الفيصل.
وتلفت النمر إلى أن من يمارس الكتابة محترفاً لا كمن يمارسها هواية، في ما يتصل بحجم الإنتاج، فالأول عليه أن يكتب لكي يعيش، فمن الكتابة يسترزق ومنها يحس بوجوده، أما الكاتب الهاوي فهو لا يحس بالمسؤولية بالقدر ذاته، وتتابع قائلة: بالنسبة لي، الكتابة هي عملي بعد التقاعد، وهي شغفي وعندي خزين ضخم من الذكريات وسجل حافل بالأحداث التي اتخذت قراري بألا أدعها تفلت مني أو تصاب بالزهايمر وتتبخر.
وعند سؤالها: هل تخشين هرب الطاقة والخيال أم تخافين أن يطول غيابك عن المشهد؟ ردت: الاثنان معا، على حد كلام صديقي ماركيز الذي كان يقول أنا اكتب يومياً لأحافظ على سخونة يدي، وبالمناسبة العديد من الأفكار والقناعات التي اتخذها عقلي وخيالي قالها كبار الكتاب وكأن هناك نقاطا وقواسم اشتراك بين كل من احترف تدوين الحرف ومطاردة الأحداث والحياة.
اختلافات ومخاوف
الشاعر طلال سالم، يتفق مع الكاتبة فتحية النمر، في أن كثرة الإنتاج «لا ترتبط بجودة المنتج إلا لدى المبدع المحترف، الذي كرس وقته لهذا العمل، وراح يطور إمكانياته ومهاراته ويدرس كل ما يعمق قيمة منجزه الإبداعي». ويلح سالم على أهمية الجودة، قبل كل شيء، مشيراً إلى أن وقتنا الراهن يطرح نظرية مختلفة حول مسألة وفرة الإنتاج وضآلته، ويقول: هناك اختلافات في عصرنا الحالي حول هذا الأمر، فالشاعر مثلاً لا ينشر مجموعته الشعرية بالطريقة التي يتبعها الروائي لنشر عمله، فالأول يلزمه أن يصنّف ما كتبه من نصوص متعددة ويجمعه تحت ثيمة أو مناسبة لإضفاء نوع من الوحدة أو التناسب وهذا يحتاج إلى وقت يقل أو يزيد عما يحتاجه الروائي الذي يعمل على نص واحد لطباعته ونشره».
ويلفت سالم إلى التأثير السلبي لغياب «ثقافة حقوق النشر» على حجم ما ينشره المبدع، ويقول موضحاً: مما يشعر المبدع بالاستياء أن يجد كتابه متاحاً مجاناً على الإنترنت من دون مراعاة لحقوقه كمؤلف بذل ما بذل من جهد ووقت حتى يطبع وينشر ويوزع كتابه».