دينا محمود (لندن)

كشف محللون أتراك بارزون النقاب عن أن عدداً من الشخصيات السياسية المرموقة في البلاد، وفي مقدمتها الرئيس السابق عبد الله جول ورئيس الوزراء السابق أيضاً أحمد داوود أوغلو، يستعد حالياً لتدشين حزب أو حزبين جديدين لإنقاذ البلاد من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يتداعى نظامه منذ الانتكاسات المُزلزلة التي مُني بها في الانتخابات المحلية الأخيرة.
وقال المحللون: إن هذه الجهود يشارك فيها كذلك وزير الخارجية والاقتصاد السابق علي باباجان، وهو من الشخصيات التي تحظى بالشعبية في الشارع التركي، منذ أن كان عضواً في الحكومة خلال العقد الأول من القرن الحالي، إلى أن أجبره أردوغان على اعتزال العمل السياسي بعد عام 2014، رغم نجاحه خلال شغله منصبه الوزاري في تحقيق نسبة نموٍ اقتصاديٍ مرتفعةٍ في الفترة ما بين عاميْ 2003 و2008.
وفي تقريرٍ نشره موقع مركز «يونايتد وورلد إنترناشيونال» للأبحاث والدراسات، أكد المحلل السياسي التركي المرموق نوريتين كورت أن التحركات المكثفة التي تشهدها الساحة السياسية التركية لتقديم بديلٍ لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي يقوده أردوغان، تشكل «نتيجةً طبيعيةً» للوضع المتأزم الذي وصلت إليه تركيا على مختلف المستويات، بسبب التوجهات الداخلية والخارجية التي يتبناها النظام الحاكم في أنقرة منذ عام 2003.
وشدد كورت - الحاصل على جائزة حرية الصحافة من نقابة الصحفيين الأتراك - على أن من بين أبرز ملامح هذا الوضع، الأزمة الاقتصادية التي تضرب تركيا منذ شهورٍ طويلةٍ جراء تدهور قيمة العملة المحلية وتفاقم معدلات البطالة والتضخم، إلى جانب المغامرات الخارجية التي يخوضها أردوغان على جبهاتٍ عدة، خاصةً في سوريا المجاورة وليبيا، بالإضافة إلى صدامه الحالي مع الولايات المتحدة بفعل تشبثه بشراء منظومةٍ روسيةٍ متطورةٍ للدفاع الجوي، وتلويح واشنطن بفرض عقوباتٍ على أنقرة رداً على ذلك.
وأشار المحلل التركي المخضرم إلى أن من بين الأسباب الأخرى التي جعلت الأجواء مهيئةً لانحسار دور أردوغان وحزبه في الشارع السياسي في البلاد «ما يُقال عن تفشي الفساد وانعدام القانون والمحسوبية والممارسات التي تقود للإثراء الفاحش، بين أعضاء الحزب» الذي يرفع واجهةً إسلاميةً زائفةً لمغازلة الناخبين ذوي التوجهات المحافظة في تركيا.
وقال كورت: إن التحركات التي يقوم بها حلفاء سابقون لأردوغان لتشكيل قوى سياسيةٍ جديدةٍ تأتي في وقتٍ يشعر فيه مسؤولو الحزب الحاكم في تركيا بـ «نذر خطرٍ وشيكٍ، إثر نتائج الانتخابات المحلية» التي أُجريت في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي وأسفرت عن خسارة «العدالة والتنمية» غالبية المدن الكبرى، وعلى رأسها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، وذلك للمرة الأولى منذ نحو ربع قرن.
وحذر الكاتب في تقريره التحليلي من أن قادة الحزب سيقومون بكل «ما في وسعهم للحفاظ على القاعدة الانتخابية»، التي يرجح كثيرون أن تنصرف عنهم، وتتجه لتأييد أي أحزابٍ أو تكتلاتٍ جديدةٍ تنشأ خلال الشهور القليلة المقبلة بقيادة شخصياتٍ سياسيةٍ ذات ثقل، مثل غول وداود أوغلو، الذي يرجع له مراقبون الفضل في تمتع تركيا بعلاقاتٍ جيدةٍ مع جيرانها، خلال توليه حقيبة الخارجية بين عاميْ 2009 و2014.
وألمح إلى إمكانية لجوء الرئيس التركي وحزبه إلى أساليب غير مشروعة لإفشال محاولات الساسة المعارضين لهم للدخول بقوة في الحلبة السياسية، قائلاً إن أردوغان وفريق معاونيه «سيسعون بكل قوتهم إلى إنهاك السياسيين الذين يحاولون جاهدين تأسيس حزبٍ جديدٍ»، بل وقد يصل الأمر إلى حد «جعلهم ينزفون الدماء» كذلك.
وبرر الكاتب مخاوفه في هذا الشأن بالقول: إن كبار المسؤولين في حزب أردوغان يتابعون بقلق المشاورات الجارية وراء الكواليس لتكوين تكتلاتٍ سياسيةٍ جديدةٍ، في ضوء أن الأسماء المطروحة لزعامتها «تحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ في الأوساط الجماهيرية»، ما سيؤدي على الأرجح إلى تغيير موازين القوى في الداخل التركي، ويدق مسماراً جديداً في نعش أحلام أردوغان بالإبقاء على حزبه في السلطة، حتى ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة في بلاده.