الخشوع عند قراءة القرآن وذكر الله تعالى من الأسس الأصيلة التي يقوم عليها بناء الإنسان المسلم وينهض بها سلوكه، فالخشوع هو روح العبادة، وإذا خلا منها صارت لا وزن لها ولا قيمة• هذا ما يؤكده الدكتور أحمد عمر هاشم- الأستاذ بجامعة الأزهر- ويضيف أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: «الله أنزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد» الزمر23• فكتاب الله شفاء للنفوس ودواء للقلوب من الأهواء والشبهات وعلاج للأبدان من العلل والأمراض والآفات قال سبحانه: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين» الإسراء82• والقلب هو مصدر الخشوع فإذا خشع القلب خشعت الجوارح وإذا لم يكن القلب خاشعا ولا خاضعا فان الجوارح لا تكون خاشعة ولا خاضعة وقد روي: «إذا ضرع القلب خشعت الجوارح»، ويقول قتادة: «الخشوع في القلب»• فإن القلب هو مصدره فمنه ينطلق الى الأعضاء في حركاتها وسكاناتها ولذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن كان يعبث بلحيته في الصلاة: «لو خشع قلبه هذا لخشعت جوارحه»• وبعض الناس يتظاهر بهذا الخلق ولكنه غير حقيقي فيه ورأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا يطأطئ رقبته في الصلاة تظاهرا بالخشوع، فقال: «يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب»• ليس بخاشع وقال إن من يحاول تصنع الخشوع من خلال إكساب أعضائه شيئا منه أو أن يتظاهر به بيد أن قلبه ليس فيه من الخشوع شيء ليس بخاشع فخشوع القلب هو الخشوع الحق الذي يحمل صاحبه على التواضع وخفض الجناح والبعد عن الاستعلاء والصلف فهو بعيد عن الغرور بعيد عن النفاق مقبل على ربه بصدق لا يتكلف ولا يتظاهر يقول حذيفة بن اليمان: «إياكم وخشوع النفاق وهو أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع»• وحين ظهر بعض الشباب الذين يسيرون متثاقلين ويمشون متباطئين ويتحركون كالمتهاونين ويُقال عنهم النساك قالت عنهم السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها: «كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وإذا أطعم أشبع وكان هو الناسك حقا»• والخشوع هو سمة المؤمنين والمؤمنات الذين أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما لأن فيه دلالة على صدق الإيمان وصدق اليقين وقوة الصلة بالله سبحانه وتعالى وتجاوب الجوارح والأعضاء في كل شيء ولذا عده القرآن الكريم من العلامات البارزة للمسلمين والمسلمات، قال تعالى: «إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما» الأحزاب: 35، وفي الخشوع طاعة لله صادقة واستمرار لمراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن والخوف منه سبحانه وتعالى• تحذير حذر القرآن الكريم من إهمال هذا الخلق الإسلامي لأنه صمام أمن للنفس البشرية من نوازع الصلف والغفلة والغرور والإهمال وحذر القرآن الكريم من الإهمال وضرب مثلا بغير المسلمين وقال الله تعالى: «ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون» الحديد: الآية: 16• وروي في سبب نزول هذه لآية أنها نزلت عندما أصاب المسلمون رزقا كثيرا ففتر بعضهم عما كان عليه، وعن عبد الله ابن مسعود أنه قال: «ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين»، ويقول ابن عباس - رضي الله عنهما: «إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن» ولأهمية هذا الخلق الإسلامي كان سلفنا الصالح يتتبعونه ويتدارسونه ويتفقدونه ولما كان الخشوع أمرا باطنا لا يظهر كان أول ما يفقد من الدين ويقول حذيفة بن اليمان: «أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ورب مصل لا خير فيه وتوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه خاشعا»• والخشوع سمة الأنبياء والمرسلين فقد وصفهم به القرآن الكريم وأشار سبحانه وتعالى إلى أن لهذا الخلق أثرا بالغا ونتيجة كريمة في الدنيا قبل الآخرة ألا وهى تحقيق الله تعالى لمطالب الخاشعين واستجابة الله تعالى لدعائهم بسبب مسارعتهم في الخيرات وخشوعهم، قال الله تعالى: «وزكريا إذ نادي ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين»• ويرى ابن تيمية أن من لوازم الخشوع البرء من نسبة أي فضل للإنسان• وحث النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه على الخشوع والتضرع والبكاء عند قراءة القرآن ورغبهم في ذلك، فقال: «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله»•