عندما تموت النفوس
عندما نلتفت حولنا ونرى عظم الأعمال والإنجازات والنجاحات ندرك بيقين عظم نفوس من أنجزوها وأثبتوا للبشرية أنهم أحياءً حتى بعد مماتهم، أدركنا ذلك دون التعليق على الحجم أو اللون أو الشكل أو الحسب أو النسب لهم، إنها مسألة ''النفس البشرية'' حتى وإن كانت في جسد مشلول، فقدرة الإنسان تكمن في ذلك المولد الداخلي الذي به يُعظم قدره وبه يُعطي ويَعمل ويَبني ويَنتج، إنها النفس بمفهومها الخاص والعام، إنها جوهر كيانك·
لماذا يقتل البعض نبض نفوسهم لأسباب معينة كالظروف، أو الأبوين أو الأقارب أو المدير، أو شريك الحياة، أو الأصدقاء ·· إلخ ؟ ألا ترى معي أنها ''أنفسنا'' و''ذواتنا'' ونحن المسؤولون عنها؟ ألا ترى أن بها نرى الأمور ونحكم عليها ونأتي بردات أفعالٍ بناءً على حالتها؟ ألا ترى أننا بظلمها أو قتلها نُقتلُ أحياءً؟ فإن كنت توافقني الرأي فلماذا لا تزال تُبقي نفسك بين أكفان التعاسة والشقاء والإحساس بالكبر والخمود والجمود كأنك لا تساوي شيئاً؟!
إنني لأحزن كثيراً عندما أسمع من يقول لمجرد وجود مشكلات أسرية أو وظيفية أو غيرها: ''بدأت أشعر بكبر سنّي، وأني ثقيل عن إتيان ما كنت أصبو إليه وأطمح في تحقيقه، لقد عاد لي الإحساس بعدم حبي للحياة ···''· كلمات مؤلمة من نفس بشرية خلقت لتعمّر الأرضَ وتنتج وتبثّ الحياة في زوايا وأركان الكون، وليس لإطفاء فتيلة الرغبة والحماس·
أولم يسمع ذلك قول الحق تبارك وتعالى: '' أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ '' ''العنكبوت:''2
إن الإنسان مبتلى وممتحن، ومن سنن الحياة وجود المتناقضات والتي بسببها تحدث الحركة الكونية والتي تعطيها شكل الكروية التعاقبية كتعاقب الليل والنهار، فمن يتحرك نحو الإيجاب يحدث حركة في الجهة المضادة له ''حركة سلبية من قبل السلبيين كالاستنكار والرفض والتقليل من الشأن والاستهزاء وغيرها''، ومن يتحرك نحو السلبية يلقى حركة معاكسة له من الجهة المضادة ''حركة إيجابية من الإيجابيين كتقديم النصح والإرشاد والتوجيه والهداية وغيرها'' ومن يركد ولا يأتي بحركة تركد الأوضاع من حوله فيصبح يومه كأمسه، وغده كيومه، وهذه الحركة هي من الأمور الطبيعية؛ لأن الإنسان موصول بخيوط لا مرئية من السيالات الموجية الكهرومغناطيسية بكل ما حوله من الأشياء المدركة وغير المدركة، من البشر والجمادات وغيرها، ولو ركّز الإنسان على الحركة السلبية للبعض، لعظمت في نفسه، ولتعب واستهان واستكان وثقل عليه الحمل وضاعت عنه الحكمة، وربما أخذ ينتظر الموت·
قف عزيزي القارئ وانظر لنفسك وتأمل حولك فالحياة تحتاج لك، فقدم لها واصنع فيها ما ينفعك وينفع الجميع·
د· عبداللطيف العزعزي