ما تجود به قريحة بعض فئات المجتمع من ذوي الإعاقات المختلفة، قد يفوق أحياناً فئات أخرى تتمتع بكامل قدراتها الجسمانية والنفسية والعقلانية، وحتماً إذا أُتيحت الفرصة لهؤلاء فسيبهرون العالم بإنجازاتهم، وهذا ما ظهر ويظهر جلياً في كثير من المواقف، والتاريخ شاهد على ذلك، فكثيرون حرموا من نعمة بصرية أو سمعية، ولكنهم أدهشوا العالم بعطائهم، من هذه الأبواب المشرعة على الأمل نظمت الإمارات احتفالاً كبيراً بمناسبة أسبوع الأصم العربي الخامس والثلاثين، وقدمت العديد من الفعاليات والأنشطة على مستوى الدولة، تحت شعار «تمكين المرأة الصّماء في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة». هدف الأسبوع إلى تعزيز حقوق المرأة الصماء وتأكيد المساواة، من حيث الخدمات المقدمة وفرص التعليم والصحة والتأهيل والحياة الاجتماعية، وشرح حاجاتها الأساسية، بما يمكنها من القيام بدورٍ فاعلٍ بناء في المجتمع. وضمت أجندة أسبوع الأصم 25 فعالية ونشاطاً على مستوى الدولة، تنوعت بين ورش عمل ومحاضرات توعية وتدريبات تدريبية للغة الإشارة ويوماً مفتوحاً، بالإضافة إلى عرض قصص نجاح وتكريم النساء الموهوبات من ذوات الإعاقة السمعية. وفي هذا السياق، قالت معالي مريم الرومي، وزيرة الشؤون الاجتماعية، في كلمة لها بهذه المناسبة، إن توقيع ومصادقة دولة الإمارات على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة شكل انتصاراً للمعاقين بشكل عام وللمرأة المعاقة خاصة، لكون هذه الاتفاقية أكدت تعزيز حقوق الفتيات والنساء ذوات الإعاقة وتلبية حاجاتهن، حيث خصصت (المادة 6) للنساء ذوات الإعاقة، والتي أكدت التدابير اللازمة لضمان تمتعهن تمتعاً كاملاً وعلى قدم المساواة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. المرأة الصماء منافس في العمل وأضافت الرومي أن وزارة الشؤون الاجتماعية خطت إلى جانب العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية، خطوات نوعية من أجل تحسينِ واقع المرأة الصماء واعتبرتها جزءاً من الحراك الاجتماعي، من خلال إلحاقها بمراكز التأهيل، والسعي لإدماجها في مدارس التعليم العام، وفتح فرص التدريب المهني والتشغيل أمامها، ودعمها نفسياً واجتماعياً من أجل المشاركة في الحياة الزوجية وتكوين أسرة تركن إليها أسوة بقريناتها. وقالت الرومي إن هناك دراسة عن واقــع الصم العاملين في دولة الإمارات التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخراً، تبين أن المرأة الصماء تنافس زملاءها في العمل، وقد شغلت مجموعة واسعة من المهن التي تعتمد على استخدام التقنيات الحديثة، وكانت أكثر عطاء ودقة، وأثبتت نفسها عن جدارة واستحقاق بشهادة رؤسائها. كما قالت الرومي: إن الحديث عن المرأة الصماء قد يبدو قاصراً إذا لم تكن هناك جهود مستقبلية للارتقاء بواقعها التعليمي بشكل خاص، ومشاركة في صنع القرارات المتعلقة بمستقبلها الاجتماعي، ورسم معالم واقعها الجديد المستند إلى حقوقها في التشريعات المحلية والدولية، وليس من منطلق الشفقة والعطف عليها. اكتشاف القدرات وأضافت الرومي: يتمتع ذوو الإعاقات بقدرات خارقة أحياناً يمكن توظيفها واستغلالها بشكل جيد، وتعتبر التظاهرات خير تعريف بهذه الشريحة المهمة والمبدعة من فئة ذوي الإعاقة، لديها إمكانات يجب استغلالها بالصورة المثلى، كما أن شعار أسبوع الأصم هذا العام «تمكين المرأة الصماء» حمل دعوة إنسانية تدعو إلى تمكين تلك الفئة من الحصول على حقها كاملاً في الحياة والوجود، وحقها في التعليم سواء في المراكز الخاصة أو المدارس الحكومية. تكافؤ الفرص أما محمد فاضل الهاملي، نائب رئيس مجلس الإدارة، الأمين العام لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية المعاقين، فقال: إن قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة حرصت على توفير كل سبل الرعاية الشاملة لجميع أفراد المجتمع، سواء للجوانب التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية أو الإنسانية، لتنشئة جيل قوى متسلح بالإيمان والثقة بالنفس، وبناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات، وذلك من خلال توجيهات قيادتنا الرشيدة بإنشاء المؤسسات التي تعمل على رعاية وتعليم وتأهيل النشء من أجل هدفٍ سامٍ مبنيٍّ على تنمية الفكر والعاطفة والسلوك والرعاية الشاملة. وأشار إلى أن إصدار القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006 في شأن ذوي الإعاقة جاء تأكيداً لحماية وتعزيز حقوق تلك الفئات، وتشجيعاً لهم على المشاركة الإيجابية في كافة المجالات على أساس تكافؤ الفرص. ضرورة انخراط من جانبها، أكدت مريم سيف القبيسي رئيس قطاع المعاقين بالمؤسسة أن الدولة وفرت كل سبل الرعاية الشاملة للطفل، سواء للجوانب التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية أو الإنسانية، لتنشئة جيل قوى متسلح بالإيمان والثقة بالنفس، وذلك من خلال توجيهات قيادتنا الرشيدة بإنشاء المؤسسات التي تعمل على رعاية وتعليم وتأهيل الطفل من أجل هدف سامٍ مبنىي على تنمية الفكر والعاطفة والسلوك والرعاية الشاملة. وقالت إن المؤسسة ستواصل بذل قصارى جهدها نحو المزيد من العمل لتطوير الخدمات التي تقدم لفئات ذوى الإعاقة بصفة عامة، والصم بصفة خاصة، والعمل على تأهيلهم وتدريبهم، والسعي لتوفير فرص العمل المناسبة لهم، والاستفادة من طاقاتهم، والسعي من أجل دمجهم في المجتمع في حين أكدت ضرورة انخراط المرأة الصماء في ممارسة الألعاب الرياضية لما لها من مردود نفسي عالٍ على تحقيق الذات ولها عائد معنوي كبير. فعاليات كما تضمنت فعاليات أسبوع الأصم دورياً ثقافياً للطلاب الصم بالمركز بنادي ضباط القوات المسلحة بأبوظبي، بمشاركة عدد من طلاب مدارس أبوظبي الحكومية والخاصة ودعم نادي ضباط القوات المسلحة، بهدف نشر الثقافة في أوساط الطلبة الصم بأسلوب شائق وترفيهي، وخلق نوع من المنافسة الثقافية فيما بينهم، ولتحقيق هدف الدمج لهذه الفئة في المجتمع وإزالة الفجوة بين الطلبة، وعن ذلك تقول حنان الطنيجي، مدرسة قسم التعليم الأكاديمي بمركز أبوظبي لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، التابع لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية، ومدرسة لغة عربية: بدأنا الأسبوع بحفل افتتاحي شارك فيه طلاب الإعاقة السمعية وبعض المدارس الحكومية في مسرح مركز أبوظبي لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، كما قدمنا معرض السوق الطلابي، وكان الهدف منه تعليم الطالب البيع والشراء، وكانت المنتجات المعروضة من إنتاج الطلاب، وبعضها ساهم به الأهل والطلاب أنفسهم، حيث رغب المركز في دعم أولياء الأمور، حيث شاركوا ببضائع ومنتجات منزلية اشتروها وعرضوها للبيع دعماً للأسر المنتجة. وأغلب المنتجات التي تمت المشاركة بها كانت بمشاركة قسم التأهيل المهني كالإكسسوارات والشموع من إنتاج الطلبة الصم، حيث ضم السوق 15 طاولة، وضم السوق أقساماً للجلابيات والإكسسوارات وقرطاسيات وشموع وأكل. وريع السوق يعود للطلبة الصم، ودام السوق أربعة أيام، وكان مقره في مركز أبوظبي لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة وافتتحته مريم سيف القبيسي، رئيسة قطاع مؤسسة زايد العليا، وهيا الحمادي، مديرة مركز أبوظبي، كما شاركت المدارس الحكومية بشراء المعروضات، وحقق السوق نجاحاً كبيراً إذ حقق تفاعلاً بين المدارس الحكومية والمركز بزيارة المركز والتواصل مع طلاب ذوي الإعاقة السمعية. الدوري الثقافي وأضافت الطنيجي: بحضور مدارس حكومية، أقمنا مسابقة للطلاب الصم، وكلهم من المتميزين وينتمون لمركز أبوظبي، وهناك جوائز نقدية للفائزين، كما هناك مسابقة لطلاب المدارس الحكومية، ومسابقة كذلك للمعلمات، وفي ذلك تضيف: لقد اخترنا الطلبة المتميزين من مختلف المراحل للمشاركة في هذا الدوري الثقافي خاصة من الصف السابع والثامن، والأسئلة المقدمة تنوعت بين المواد العربية والمعلومات العامة، وفي السياق نفسه تضيف الطنيجي: المسابقة كانت على طريقة برنامج «من سيربح المليون»، ونشط الحلقة طلبة من الصم أنفسهم، بتقديم سؤال للبنات وسؤال للأولاد، والفائز يحصل على جائزة نقدية، كما هناك جوائز رصدت لمن لم يحالفه الحظ، وهي جوائز تشجيعية، وهناك جوائز ومسابقات للمدارس الحكومية أيضاً. أرقام ذكر محمد فاضل الهاملي أن عدد فئات الإعاقة السمعية المسجلين بالمراكز التابعة للمؤسسة على مستوى إمارة أبوظبي يبلغ في الوقت الحالي 128 طالباً وطالبة من جملة ألف وسبعة هم جملة المسجلين على مستوى مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة بالدولة، وتقدم لتلك الفئة مجموعة من الخدمات منها الرعاية النفسية والاجتماعية، الإرشاد الأسري، القياس السمعي الدوري، العلاج السمعي، تطوير التعليم الذاتي والتفكير الإبداعي، الدمج الاجتماعي، النشاط الرياضي والفني، العلاج الترفيهي، إضافة إلى المشاركة في المسابقات المتنوعة محلياً وإقليمياً ودولياً.