رغم مرور الذكرى الأربعين على رحيل الفنان زكي رستم في هدوء بما لا يليق بما قدمه للفن عبر مشوار طويل اقترب من نصف قرن، فإن العديد من عشاقه ومحبيه كونوا مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي أشادوا فيها بعبقريته، وتنافسوا فيما بينهم في رصد أفلامه، وقاموا بتحميل العديد من مشاهده القوية والمؤثرة. تبادل محبو زكي رستم على مواقع التواصل الاجتماعي، لزماته الشهيرة في العديد من أفلامه، خاصة فيلم “نهر الحب”، ومنها “يا أمال دقيقة واحدة تفرق في حياة الشعوب، وتحدد مصير أمم”، و”يا عزيزتي يا نوال”، و”ماما ماتت يا هاني، وأنا جبتلك شطرنج عشان يثقفك”، وغيرها من العبارات التي شهدها الفيلم. سعيد ياسين (القاهرة) - المعجبون الكثيرون بزكي يعتبرونه أفضل ممثل في تاريخ الفن العربي، واستندوا على اختيار مجلة “باري ماتش” الفرنسية له كواحد من بين أفضل عشرة ممثلين في العالم، وما كتبه عنه المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول من أنه فنان قدير ونسخة مصرية من أورسن ويلز بملامحه المعبرة ونظراته المؤثرة، وتوصيف مجلة “لايف” الأميركية له بأنه من أعظم ممثلي الشرق، وأنه لا يختلف عن الممثل البريطاني الكبير تشارلز لوتون. «رائد مدرسة الإندماج» ويعد الراحل زكي رستم “رائد مدرسة الاندماج” في التمثيل، حيث كانت لديه قدرة فائقة على تقمص أي شخصية مهما تعددت حالاتها النفسية ومواقفها المتقلبة والمتلونة، فكان لا يكاد ينتهي من أداء موقف أمام الكاميرا حتى تتصاعد موجة من التصفيق من كل الحاضرين في البلاتوه بمن فيهم من شاركوه تمثيل المشهد، وهو ما يجعل المفاضلة صعبة بين أدواره حين يكون شريراً أو رجلاً طيباً وأباً مكافحاً، وحين يكون باشا وشخصية أرستقراطية أو فتوة أو لصاً. ولد زكي رستم لأسرة أرستقراطية عريقة في 5 مارس 1903 في حي الحلمية الجديدة في قصر كان يملكه جده محمود باشا رستم أحد رجال الجيش المصري البارزين، وكان والده من أعضاء الحزب الوطني وصديقا شخصياً لمصطفى كامل ومحمد فريد. تمرد على الأرستقراطية وبدأت هوايته مع التمثيل وهو طالب في البكالوريا التي حصل عليها عام 1920، وزاد من اهتمامه بالفن لقاؤه صدفة مع عبدالوارث عسر الذي أعجب بموهبته وضمه لإحدى فرق الهواة المسرحية، وبعد وفاة والده تمرد على تقاليد الأسرة العريقة معلناً انضمامه إلى فرقة جورج أبيض عام 1924، فطردته أمه من السراي واعتبرته مثالاً سيئاً لإخوته بعدما خيرته بين الفن والتحاقه بكلية الحقوق فاختار المسرح، وبعد عام واحد من عمله مع جورج أبيض انتقل الى فرقة “رمسيس” مع أحمد علام، ثم عمل في فرق أخرى منها “عزيز عيد” و”اتحاد الممثلين” و”الفرقة القومية”، وكان يرأسها في ذلك الوقت خليل مطران وظل فيها عشرة أعوام كاملة ومثل 45 مسرحية منها “كرسي الاعتراف” و”مجنون ليلى” و”الوطن” و”مصرع كليوباترا” و”تحت سماء إسبانيا” و”الشيطانة” و”اليتيمة” و”الطاغية” و”الهمالايا”، وبعدما صدر قانون يمنع من يعمل بالمسرح العمل بالسينما، اضطر إلى الاستقالة من الفرقة، خصوصاً أنه وقع خمسة عقود سينمائية. وبدأت علاقته بالسينما في سنواتها الأولى، حين اختاره المخرج محمد كريم عام 1930 ليشترك في بطولة الفيلم الصامت “زينب” أمام بهيجة حافظ وإنتاج يوسف وهبي، ثم اختاره ليشارك في أول أفلام محمد عبدالوهاب “الوردة البيضاء” عام 1933. أدوار شريرة وتوالت أفلامه بعد ذلك وبلغت 240 فيلماً، ولكن المشهور منها والموجود 55 فيلماً، وقدم الأدوار الشريرة وبرع فيها حتى كرهه الناس وظنوا أنه بالفعل شرير، ولكنه قدم كذلك الأدوار الخفيفة التي تميز فيها برقة القلب مثل دوره في فيلم “ياسمين” عام 1950 الذي جسد فيه شخصية الجد الرقيق القلب مع أنور وجدي ومديحة يسري والطفلة فيروز، أو الموظف المنهوك القوي المطحون بالفقر المحب لأولاده كما في “أنا وبناتي” مع فايزة أحمد وناهد شريف وصلاح ذوالفقار، أو خولي الوسية القاسي الذي تغلبت عليه طيبته في “الحرام” مع فاتن حمامة وعبدالله غيث، والأب الضرير في فيلم “امرأة في الطريق” مع هدى سلطان ورشدي أباظة وشكري سرحان وإخراج عز الدين ذوالفقار. وتفوق على نفسه في شخصية رئيس العصابة الداهية الذي يتظاهر بالورع والتقوى ويخدع الجميع في سلسلة أفلام نيازي مصطفى مثل “حميدو” و”رصيف نمرة 5” مع فريد شوقي، وتقمص ببراعة دور الباشا الإقطاعي المخطط للظلم الاجتماعي في “صراع في الوادي” مع فاتن حمامة وعمر الشريف وإخراج يوسف شاهين، و”أنا الماضي” مع فاتن حمامة وعماد حمدي وفريد شوقي وإخراج عز الدين ذو الفقار و”أين عمري” مع ماجدة ويحيى شاهين وأحمد رمزي وإخراج أحمد ضياء الدين. في عمارة يعقوبيان وفي عام 1960 وضعه دوره في فيلم “نهر الحب” مع فاتن حمامة وعمر الشريف وإخراج عز الدين ذو الفقار على مستوى عالمي، ولم يقل أداؤه لدور الزوج الوزير السياسي عن الكبار من ممثلي الشاشة العالمية الذين مثلوا الدور نفسه في 17 فيلما مأخوذة عن رائعة تولستوي “أنا كارنينا”. واشتهر زكي بالوحدة والانطواء، حيث لم يكن يقبل أي دعوة للسهر ولا يدعو أحدا، وكان الفن عنده هو البلاتوه، وتنقطع صلته به تماماً لحظة خروجه منه ولهذا لم يكن له أصدقاء سوى الفنان سليمان نجيب. وعاش طوال حياته أعزب ولم يفكر في الزواج ولم يشغله سوى الفن، وعانى في سنواته الأخيرة ضعف السمع وكان يكره أن يستعين بسماعة حتى لا تؤثر على اندماجه، وكان يسكن بمفرده في شقة في عمارة يعقوبيان في وسط القاهرة، ولم يكن يؤنس وحدته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من ثلاثين عاماً وكلبه الوولف الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية. عزلة ورحيل “إجازة صيف” كانت آخر أعمال زكي رستم مع فريد شوقي ومحمود المليجي ونيللي وحسن يوسف، وجسد دوره وهو فاقد حاسة السمع تماماً، ومع ذلك أدى الدور على احسن ما يكون. وحصل في عام 1962 على وسام الفنون والعلوم والآداب وفي عام 1968 توقف تماماً عن التمثيل وابتعد عن السينما واعتزل الناس، وكان يقضي معظم وقته في القراءة. وأصيب في أواخر أيامه بأزمة قلبية حادة نقل على أثرها إلى مستشفى دار الشفاء، وتوفي في ساعة متأخرة من ليلة 15 فبراير عام 1972 عن 69 عاماً.