الحدود الأفغانية-الباكستانية... هدف للضربات الأميركية
تلقت وكالة الاستخبارات الأميركية، إذناً بتوسيع دائرة أهدافها التي تشمل مقاتلين مشتبه فيهم حتى لو لم تكن تعرف أسماءهم، وذلك في إطار تكثيف الطلعات الجوية التي تقوم بها الطائرات من دون طيار فوق المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وذلك حسب ما أفاد به مسؤولون حاليون وسابقون في مجال مكافحة الإرهاب. هذه الصلاحيات الموسعة التي حظيت بها وكالة الاستخبارات الأميركية قبل عامين من قبل إدارة بوش، ثم استمرت في عهد الإدارة الحالية تسمح بالاعتماد على ما وصفه المسؤولون بتحليل "نمط الحياة"، مستغلين الأدلة التي جمعتها كاميرات المراقبة في الطائرات من دون طيار، ومن مصادر أخرى تتعلق بالأفراد والأماكن، وتستخدم هذه المعلومات لاستهداف المقاتلين المشتبه فيهم حتى في حالات عدم التعرف تماماً على هوياتهم، وذلك خلافاً لما كان معمولًا به في السابق عندما اقتصرت عمليات القتل، التي تقوم بها الوكالة على الأفراد الذين توجد أسماؤهم في قائمة مصادق عليها، بحيث تحول برنامج الوكالة بموجب القواعد الجديدة من جهد محدود يهدف إلى قتل عناصر قيادية في "القاعدة" و"طالبان" إلى حملة واسعة من الضربات الجوية تشمل عدداً أكبر من المقاتلين طالما يمثلون خطراً على الولايات المتحدة.
وبدلاً من الاكتفاء ببضع هجمات في السنة تستهدف وكالة الاستخبارات الأميركية اليوم من خلال طلعاتها الجوية وصواريخها، التي تطلقها الطائرات أسبوعياً المنازل الآمنة ومعسكرات التدريب، فضلاً عن أماكن الاختباء التي يلجأ إليها المقاتلون في الحزام القبلي المتاخم للحدود الأفغانية.
ويرفض مسؤولو الوكالة كجزء من سياستها التعليق علناً على البرنامج الموسع وحتى الذين وافقوا على الإدلاء بتصريحات والاحتفاظ بأسمائهم طي الكتمان رفضوا الخوض في التفاصيل وتوضيح الأدلة التي يتم الاعتماد عليها لتحديد الأهداف، مؤكدين أن إجراءات صارمة يتم تبنيها لضمان أن المستهدفين لا يخرجون عن فئة المقاتلين، لكن مع ذلك يقول المسؤولون إن التفاصيل التي تتيحها عمليات المراقبة كثيرة بحيث يكتفون بمراقبة العربات، أو تحركات الأفراد الذين ينشطون في الميدان.
وفي هذا الصدد، يشير مسؤول أميركي بارز في مكافحة الإرهاب قائلًا: "لم يفقد العدو فقط القادة الميدانيين الذين نعرف أسماءهم، بل خسر أيضاً تشكيلات المقاتلين وباقي الإرهابيين، وقد لا نعرف أسماءهم لكنهم أشخاص تدل تحركاتهم على أنهم يشكلون خطراً".
ويضيف المسؤولون إنه في بعض الحالات تقوم الطائرات من دون طيار بعمليات استطلاع تستغرق أياماً لجمع ما يكفي من معلومات تبرر إطلاق الصاروخ، بل حتى في تلك الحالات يتم تأجيل، أو إلغاء العملية إذا تبين أن احتمال سقوط المدنيين كبير، غير أن بعض المسؤولين حذروا من أن استهداف أفراد دون معرفة أسمائهم يهدد بقتل المدنيين، وهو ما يخلق حالة من الاستياء العميق في باكستان وأفغانستان، هذا الأمر يوضحه "لوش جونسون"، باحث في مجال الاستخبارات بجامعة جورجيا قائلاً: "هناك أسئلة أخلاقية تتعلق بمعرفة أسماء المستهدفين، والخطر أن مثل تلك العمليات قد تفرخ لنا إرهابيين جددا وتعمق الاستياء لدى الرأي العام الباكستاني، لا سيما في المناطق التي تنفذ فيها الضربات".
ويؤكد المسؤولون الأميركيون من جهتهم أن عدد الضحايا المدنيين لم يتجاوز 30 شخصاً منذ توسيع عمليات إطلاق الصواريخ في باكستان، لكنه من الصعب التحقق من صحة هذا الادعاء بالنظر إلى اتساع المناطق المستهدفة وامتدادها على مساحات خارج القانون يتعذر على الصحفيين الأجانب دخولها والتحقق من عدد الضحايا المدنيين، وقد كانت إدارة بوش هي أول من لجأ إلى وكالة الاستخبارات الأميركية للقيام بطلعات جوية والاعتماد على الطائرات من دون طيار لاستهداف عناصر "طالبان" و"القاعدة"، لا سيما الذين فروا إلى المناطق الحدودية عقب هجمات 11 سبتمبر، وقرر الرئيس بوش سراً خلال السنة الأخيرة من ولايته توسيع صلاحيات البرنامج وعندما جاء أوباما قرر الحفاظ على الصلاحيات الموسعة لتسهيل عمليات الوكالة بحيث أصبح بمقدور مديرها "ليون بانيتا" المصادقة على العمليات دون الرجوع إلى البيت الأبيض، بل إن الضربات الصاروخية زادت على نحو ملحوظ منذ صعود أوباما إلى السلطة، حيث سُجل ارتفاع في عددها إلى 53 في العام 2009 مقارنة بحوالي 30 خلال السنة الأخيرة من ولاية الرئيس بوش، وحسب معلومات جمعها موقع إلكتروني تابع لـ"نيو أميركان فوندايشن" المعني بتتبع عدد الهجمات في وسائل الإعلام قتلت الضربات الجوية التي نفذت عام 2010 ما بين 143 و247 شخصاً لم يتعرف إلا على سبعة مقاتلين بينهم، ورغم بعض القيادات المهمة في صفوف "طالبان" تمكن زعيم "طالبان" باكستان، حكيم الله محسود، من الإفلات بعد أن أشيع مقتله في وقت سابق، وهناك أدلة متزايدة تشير إلى أن تنظيم حكيم الله محسود مسؤول عن تدريب الأميركي من أصل باكستاني الذي يشتبه في محاولته تفجير السيارة المفخخة بنيويورك في الأسبوع الماضي، بحيث يعتقد أن الهجوم ربما يأتي كرد على تصعيد الولايات المتحدة لهجماتها على المناطق القبلية في باكستان.
ديفيد كلاود -واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"