أحمد السعداوي (أبوظبي)

أربعة عشر يوماً من الإبداع والفنون والموسيقى والثقافة على مساحة 3500 متر مربع، عاشها جمهور أبوظبي من مواطنين ومقيمين وسائحين من أقطار الأرض، بمعية فعالية «المغرب في أبوظبي» 2019، التي عكست جانباً مشرقاً من العلاقات التاريخية والحضارية بين الشعبين الشقيقين، نجح خلالها أبناء المغرب في توصيل رسائل الموروث الفني والإنساني الثري لدولتهم في ظل ضيافة إماراتية مميزة، عبر الفعالية التي انطلقت في السابع عشر من الجاري وأسدلت ستائرها، مساء أمس، بعد أن قدمت للجمهور وجبة ثقافية وتراثية فريدة، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، بإشراف وتنظيم وزارة شؤون الرئاسة تأكيداً لقوة العلاقات التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية، وشعبيهما الشقيقين، وترسيخاً لمفهوم التسامح والتآخي بينهما، حيث أضحت أبوظبي وجهة عالمية تتلاقى فيها حضارات الشرق والغرب.

لآلئ الموروث
انتشر مبدعو وفنانو المغرب على امتداد ساحات العرض ليقدموا لآلئ من موروثهم الثقافي والحضاري المدهش، فكان أول ما يقابل الزائر بوابة نحاسية مضيئة وقد استندت على ستة عشر عموداً نحاسياً، وتزينت الأرض بمليوني قطعة فسيفساء منها 26 ألف قطعة من الذهب الخالص، ازدادت بهاءً بانعكاس الجدران المزينة باللون الأحمر القاني، لتأخذ الزائرين في رحلة أسطورية بين جمال الأعمدة الرخامية وغيرها من ملامح الجمال الثري الذي غلف كل ركن وزاوية من فعالية «المغرب في أبوظبي»، التي تنافس أبناؤها في تقديم موروثاتهم الحرفية والفنية العريقة في حلة أنيقة تلائم بهاء المناسبة وكرم الدولة المضيفة.
ويقول عادل الفقير، المدير العام للمكتب الوطني المغربي للسياحة، إن جميع أعضاء الوفد المغربي المشاركين في هذا الحدث الاستثنائي الذي يوثق العلاقات القوية بين البلدين، مسرورون بهذه الأجواء الجميلة التي تمت فيها الفعالية، وما عكسته من روح المحبة والتواصل بين الشعبين، خاصة أن هذه الدورة الرابعة للفعالية شهدت توسعاً لافتاً من حيث المساحة التي بلغت 3500 متر مربع مقارنة مع العام الماضي بمساحة 950 متراً مربعاً فقط، ما أتاح الفرصة لزيادة عدد المشاركين من أبناء المغرب في التعريف بإرثهم الثقافي والحضاري والفني الممتد إلى قرون بعيدة، ويمنح آفاقاً واسعة للتعبير عن جوانب من الثقافة والتاريخ المغربي والحاضرة المغربية، وأهل المغرب الذين حضروا بكثرة هذا العام من صناع وفنانين وغيرهم من ممثلي الفنون والثقافة والحضارة المغربية.

مدينة عتيقة
ولفت الفقير، إلى أن «المغرب في أبوظبي» ظهرت وكأنها مدينة مغربية عتيقة في ضيافة دولة الإمارات، بكل ما تحمله المدينة العريقة من أزقة وحرفيين تقليديين وأنماط حياة عاشها أهل المغرب قديماً ولا يزالون محافظين على ملامحها حتى وقتنا الحالي.
وأوضح أن الرواق المكون لفعالية «المغرب في أبوظبي» 2019، مكون من 4 أجنحة عبارة عن أزقة تحاكي أسواق المدن العريقة بالمغرب، فهناك جناح للصناعة التقليدية، جناح لتصميمات الديكور، جناح للملابس المغربية الفلكلورية خصوصاً القفطان المغربي، جناح لفن الطبخ باعتباره من أهم الفنون في الثقافة والمنتوج السياحي المغربي، واشتمل على عروض للطبخ بإشراف طباخين محترفين، يخلطون مذاق الأصالة بالحداثة، إضافة إلى ورشات الطبخ المغربي يومياً الساعة الخامسة، وتتضمن الأطباق المغربية المعروفة، والإجابة عن تساؤلات الزوار الذين يكتشفون المطبخ المغربي لأول مرة، ومعرفة أسرار الطبخ، حيث تتميز الأطباق المغربية بالتنوع والاختلاف في الطبق الواحد بين جهات المملكة المغربية.

التعريف بالثقافة
وأكد المدير العام للمكتب الوطني المغربي للسياحة، أن مثل هذه الفعاليات تلعب دوراً مهماً في إتاحة فرص مهمة للتعريف بكل مكونات الثقافة المغربية من تاريخي، معماري، فني، إنساني، موسيقي، وغيرها من المفردات المكونة للإرث الثري للشعب المغربي، ويكون ذلك بشكل عميق يتناسب مع قيمة ما يقدم للجمهور الإماراتي وأبناء الجنسيات المختلفة الذين شرفنا بزيارتهم خلال أيام الحدث الثقافي المغربي على أرض الإمارات. مبيناً أن هذا الزخم الإنساني بـ«المغرب في أبوظبي» يمثل نبذة نتقاسمها مع الزائرين، ومنحهم تجربة المنتوج المغربي بكل ملامحه العريقة وفي إطار عميق، من حيث الأصوات، الإضاءة، الأشخاص وغيرها من العناصر التي مكنت الجمهور من معايشة التجربة المغربية.
وفيما يتعلق بتفاعل الجمهور مع هذا الزخم من الفعاليات، أورد الفقير، أن الأعداد كانت لافتة ومكثفة خاصة فيما يتعلق بزيارة العائلات بكل مراحل أفرادها العمرية، فكانت المعروضات ملبية لذائقة الحضور بهذه الفعالية العائلية بامتياز، والتي استقطبت زواراً من مختلف أنحاء الإمارات ومن جنسيات متعددة إلى جانب الإخوة الإماراتيين. فكان ذلك أفضل تتويج للمجهود الذي بذله أبناء المغرب مع أشقائهم الإماراتيين للخروج بالحدث بهذا الشكل المبهر.

جسر تواصل
من زوار المعرض، يقول جمعة النعيمي، إن فعالية المغرب في أبوظبي لهذا العام، مثلت جسراً للتواصل الإيجابي بين الشعبين الشقيقين، وأتاح لمن لم يزر المغرب مطالعة أشكال مختلفة من الحرف التراثية المغربية شديدة الإتقان والبراعة، خاصة في مجال النحاسيات، وكذا الاستمتاع بأشكال الفنون المغربية العريقة التي يعود أغلبها إلى أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، فضلاً عن مطالعة أشكال الأزياء المغربية التي تعبر عن هوية الشعب المغربي مثل القفطان المغربي.
فيما أشاد عبيد المرزوقي، بالثراء الذي تميزت به معروضات المغرب في أبوظبي هذا العام، خاصة فيما يتعلق بالمتحف الذي تضمن 300 قطعة نادرة منها نماذج بالغة القدم من العملات والمخطوطات واللقايا الأثرية التي تنتمي إلى عصور مختلفة بينت الثراء الكبير الذي تميزت به حضارة أبناء الشعب المغربي وجعلت من دولتهم منارة ثقافية وحضارية في شمال أفريقيا والعالم، كما أتيحت للزوار مطالعة خبرة وحنكة صناع المغرب التقليديين في العديد من الحرف اليدوية والتقليدية المعبرة عن إرث عربي وإسلامي عريق له مكانته الكبيرة، ومن تلك الحرف صناعة سروج الخيل، والنقش على الخشب والنحاس.

حسن الضيافة
ومن ضمن الزوار الذين يحرصون على زيارة فعالية «المغرب في أبوظبي» كل عام، حنان غالب التي تبين أنها تنتمي بقلبها ومشاعرها للثقافة المغربية الأصيلة رغم أنها لبنانية الأصل، مشيرة إلى أنها ذهبت مع أسرتها إلى مركز أبوظبي الدولي للمعارض من أجل التفاعل مع الأنشطة التي لها رونق خاص، حيث إنها تفضل ارتداء الأزياء المغربية، خصوصاً أنها من الأزياء العالمية ذات الصيت الكبير، موضحة أنها أيضاً تحب حضور الفعاليات الفنية التي تعبر عن تراث أصيل وهو ما يؤكد حضارة المغرب ودورها في إغناء الثقافة العربية من مختلف الجهات.
ويثني عامر خالد على حسن الضيافة المغربية، حيث اندمج مع الحضور في فعالية تقديم الشاي المغربي الذي له مذاق خاص، ويرى أن هذه الحفاوة تدل على طيب أهل هذا البلد ورغبتهم في التفاعل مع الآخر، ويلفت إلى أنه أيضاً تذوق «الأملو» التي تعد من الأكلات الشهيرة ليس في المغرب فحسب بل أيضاً في الكثير من البلدان، حيث إن هذه الأكلة أصبح لها رواج كبير وتخطت حدود المغرب رغم أصولها المغربية، ويشير إلى أنه استمتع كثيراً بكل الأنشطة التي حظيت بها هذه الفعالية السنوية كونها تعبر عن ثقافة المغرب الغزيرة.
وتشير لبنى أحمد إلى أنها عاشت تجربة خاصة في هذه الفعالية المميزة التي تمتلك حضوراً خاصاً، عندما تجولت في السوق الذي يظهر مدى الارتباط بالطبيعة التي أمدت أهل المغرب بمكونات أساسية في الحياة تستخدم بشكل يومي في تجهيز الطعام مثل البهارات والتوابل والتمور والأعشاب، وترى أن الفعالية تستقطب الكثير من الزوار لأنها تعبر عن الجمال والفن والرقي الحضاري، وأنها تجاوبت مع كل الأنشطة وحرصت على الحضور في معظم أيام الفعاليات، وأنها تفكر في زيارة المغرب في الفترة المقبلة للتعرف أكثر على حضارته ومكونات ثقافته، معللة ذلك بالانطباع الجميل الذي أخذته عن هذا البلد العربي العريق.

المرأة محور رئيسي
أشار عادل الفقير، المدير العام للمكتب الوطني المغربي للسياحة، إلى أن هذه الدورة اتخذت المرأة محوراً رئيساً خلال الفعاليات منذ الانطلاق وحتى النهاية، مع وجود أنشطة موازية لهذا الرواق جرى تنظيمها واستقطبت شرائح واسعة من الجمهور، منها أكبر مسرحية في المغرب وحملت اسم «بنات لالة منانة»، وهي مسرحية نسائية مائة في المائة، ومستوحاة من أعماق التراث المغربي، وهناك أيضاً سهرات فنية على كورنيش أبوظبي، أقيمت خلال عطلات نهاية الأسبوع في أجواء استثنائية مكشوفة أمام الجمهور للاستمتاع بالطقس الرائع، الذي يميز أبوظبي في مثل هذا الوقت من كل عام.

تقوية الروابط العربية
أشاد غانم الهنداسي «زائر»، بإقامة مثل هذه الفعاليات التي تقوي الروابط بين مختلف بلدان العالم العربي، خاصة أن المغرب يتميز بتاريخ ثري يرتبط بشكل قوي بالحضارات والثقافات الإسلامية في عصور متعددة، وهو ما كشف عنه التعدد في مكونات فعاليات «المغرب في أبوظبي» سواء من حيث الفنون أو الصناعات اليدوية التي لا تزال تقدم في أبهى صورة، وتعكس مهارة الأخوة المغاربة التي تناقلوها عبر الأجيال، كون الحرف التراثية تأتي دوماً إلى الآخرين عبر أيادي صناع مهرة، وهو ما لمسناه بأيدينا، وشاهدناه بأعيننا خلال زيارة الفعالية، التي لم تغفل الفن التشكيلي المغربي، حيث كان حاضراً عبر عديد من الأعمال المميزة، إلى جانب المعروضات المتحفية التي يعود بعضها إلى آلاف السنين.