فاطمة عطفة (أبوظبي)

قدم لطفي الشابي محاضرة في جناح «بحر الثقافة» المقام في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بعنوان: «أبو القاسم الشابي.. حديث الرّوح المستتر» قال فيها إن الشابي عاش حياة قصيرة بالمقارنة مع غيره من الشعراء العرب، ولكنه مع ذلك، حقق شهرة عريضة، ولمع اسمه في تاريخ الشّعر العربي بوصفه واحداً من الشّعراء الذين تركوا بصمة مهمة في مسيرة الشعر، فضلاً عن أنه كان واحداً من المؤسسين لرؤية مغايرة للشعريّة العربية في كتابه المهم «الخيال الشعري عند العرب»، الذي لا يزال يشكل علامة لافتة في مسيرة الأدب العربي المعاصر.
وتابع: لقد بدأ الشابي حياته الإبداعية في وقت مبكر، لكنه استطاع أن يكون ذاته خلال فترة قصيرة من عمره، وأن يبلور ذائقة نقدية مغايرة لمعاصريه من الشعراء، وأن يحفر مجرى عميقاً في آلية كتابة الشعر في وطنه تونس، ويشكل علامة لافتة في خريطة هذا الشّعر.
وأضاف أن الشابي استلهم في كتابته للنص الشعري ما كان قد خطه جده الأكبر في القرن العاشر الهجري من شعر صوفي ينحو في الغزل منحى مغايراً للمنحى الذي يرسم صورة تقليدية للمرأة، ويغدق عليها أوصافاً مجترة، فتجلت في شعره كائناً رمزياً أقرب ما يكون إلى الصورة الرهيفة التي شكلها الشعر الصوفي للمرأة، وفي مقدمتهم ابن عربي، وقد اختار المحاضر أبياتاً شعرية للشابي تعكس ذلك منها قوله:

عذبةٌ أنتِ كالطُّفولةِ كالأحلامِ
كاللّحْنِ كالصّباحِ الجديدِ
أنتِ أنشودةُ الأناشيدِ غنّاكِ
إلهُ الغناءِ ربُّ القصيدِ
أنتِ دنيا الأناشيدِ والأحلامِ
والسِّحرِ والخيالِ المديدِ
كلّما رأتْكِ عينايَ تمشيْنَ
يخطو مُوقّعاً كالنّشيدِ

وفي رأي المحاضر أن الشابي تأثر في رسم صورته للمرأة بما كان يقرأه من أدبٍ ونتاجٍ فكري أجنبي مترجم إلى اللغة العربية، رغم أنه لم يجِد لغة أجنبية، كما أنه حرِص على استلهام كثير من قصائده من الكتاب المقدس بعد أن انتبه إلى أن الشّعراء الأوروبيِّين تأثّروا بهذا الكتاب بما كانوا ينتجونه من شعر، فضلا عن أنه تأثر بالواقع الموَّار من حوله، وعايش ما كان يحدث فيه من فظائع ومآس كانت زاداً له في تشكيل كثير من القصائد.
وقال إن الشابي اتهم بالزندقة من قبل شيوخ جامع الزيتونة، لأنه في رأيهم أباح للإنسان أن تكون له إرادة وقدرة على التغيير، كما أنه دخل في حرب شعواء مع أنصار الاتجاه التقليدي في الأدب، لأنه كتب شعراً فيه خروج على ما ألفوه من رؤيا وتقنيات شعرية، كما أنه هجا ميل المفكرين في عصره إلى الادعاء والكسل والخنوع، ودعا إلى تحطيم الأصنام الفكرية في عصره لأنها كانت تعيش في الماضي وتستكين إليه بوصفه المخرج لها مما تواجهه في الواقع من أزمات.