«أعتقد أنني ودعت الآلام إلى الأبد بعد هذه الجراحة، وسوف أعاود الذهاب إلى عملي في بنك أبوظبي الوطني، بعد انتهاء فترة النقاهة، لأرى الدنيا بعيون جديدة»، هذا ما قالته المواطنة فاطمة إبراهيم العلي عقب نجاح عملية زراعة كلى إجريت لها في كوريا الجنوبية. وتضيف : «خلال محنة مرضي ووجودي في بلاد بعيدة لزرع كلية جديدة اكتشفت معنى أن تكون إماراتياً، تحظى برعاية واهتمام كل مسؤول في الدولة، لمجرد أنك تحمل جنسية هذه البلاد المباركة، فتكلفة الجراحة وتذاكر السفر وحتى إقامة أشقائي، طوال مدة العلاج في كوريا الجنوبية، تحملتها (صحة أبوظبي)». لم تكن فاطمة العلي تتوقع - وهي تسرد تفاصيل قصتها - أن رحلتها العلاجية إلى سيؤول لزراعة كلية سوف تكلل بالنجاح، وأن حالتها سوف تدخل التاريخ باعتبارها ثاني عملية تجرى لمواطنين باستخدام المنظار الجراحي في زراعة الكلية. فقد غادرت البلاد في يناير الماضي بعد أن عجز الأطباء عن التعامل مع حالتها المعقدة، بصحبة شقيقيها أحمد وخالد، وهي لا تملك سوى عزيمتها ودعوات أشقائها، وبعد شهر ونصف الشهر عادت فاطمة إلى رأس الخيمة بعد جراحة نادرة تعتبر الثانية على مستوى الدولة، حيث أجرى لها الأطباء زراعة كلية تبرع بها شقيقها الأصغر خالد باستخدام المنظار الجراحي. وقصة فاطمة مع المعاناة بدأت قبل أكثر من ربع قرن، يومها اكتشفت الطفلة، التي لم تكن قد تخطت عامها السادس، أنها مصابة بداء السكري الذي ورثته عن والدتها. وبدأت الطفلة رحلتها مع الأنسولين منذ هذا التاريخ، وعندما بلغت الخامسة والعشرين اكتشف الأطباء إصابتها بالفشل الكلوي الذي يستوجب عمليات غسل مضنية، ثلاث مرات في الأسبوع. وفي نوفمبر الماضي تدهورت حالة فاطمة من جديد، وتم نقلها إلى مستشفى خليفة في أبوظبي، وقرر الأطباء ضرورة إجراء عملية زرع كلية لإنقاذ حياتها، وعلى الفور تقدم شقيقها خالد الذي يصغرها بست سنوات، وأعلن تبرعه، ولكن التحاليل أثبتت صعوبة نقل كلية خالد إلى شقيقته، وأوصى الأطباء بنقلها فورا إلى أحد مراكز علاج الكلى في أي من الولايات المتحدة أو السعودية قبل تدهور حالتها. في هذه الأثناء كانت هيئة الصحة في أبوظبي تتابع مع الأطباء المعالجين حالة المريضة التي عانت كثيراً من عمليات الغسيل وارتفاع نسبة السكري، والذي اضطرها لاستخدام مضخة الأنسولين بديلاً عن الحقن الذي لازمها على مدى أكثر من عشرين عاماً، وبعد شهرين جاءت الموافقة من الهيئة على سفر فاطمة إلى الصين أو كوريا الجنوبية، وبعد عرض التقارير على أطباء متخصصين في الصين رفضوا استقبال الحالة، وقبل أطباء في كوريا الجنوبية، وبعرض الأمر على فاطمة، وافقت بعد صلاة استخارة، بعد أن كاد اليأس يتسرب إلى نفسها بفقدان الأمل في الشفاء. تقول فاطمة عن تلك الفترة: «في يوم السفر ودعت أهلي في رأس الخيمة، ولم أكن متأكدة من رؤيتهم مرة أخرى، وسافرنا، وأنا أكاد أتجمد من الرعب فهي المرة الأولى التي أذهب فيها لهذه البلاد البعيدة، وشيئاً فشيئاً بدأ الخوف من المصير المجهول يتراجع، وبعد أسبوعين أخبرنا الأطباء أن العملية غداً، وحتى لا تتراجع معنوياتي أكثر، قال الأطباء أن نسبة نجاح العملية تصل إلى 100 % على الرغم من أن التقنية الجديدة، والتي تتم باستخدام المنظار الجراحي في زراعة الكلية تعتبر جديدة، حيث أخبرني مسؤولو هيئة الصحة في أبوظبي أنه لم يسبق أن أجرى، سوى مواطن واحد، عملية زراعة باستخدام المنظار. وتتذكر فاطمة لحظة خروجها من غرفة العمليات وابتسامات كل من حولها، وتقول ساعتها، قال لي شقيقى أحمد الذي كان بجواري مبروك، وكررها الأطباء الذين أكدوا أن العملية تمت بنجاح، وأن شقيقي خالد الذي تبرع لي بكليته بصحة جيدة، وسوف أراه بعد قليل، وتقول بقيت تحت الملاحظة لمدة شهر كامل، وطوال هذه الفترة لم تنقطع اتصالات مسؤولي هيئة الصحة من أبوظبي وأعضاء بعثتنا الدبلوماسية في كوريا وأهلنا في رأس الخيمة. متابعة دورية لوظائف الكلى الثلاث قالت فاطمة إبراهيم العلي: «أوصاني الأطباء بالابتعاد تماماً عن الأملاح والإكثار من تناول الخضراوات وبعض أنواع الفواكه التي تحتوي على نسبة كبيرة من البوتاسيوم». وتضيف فاطمة مؤكدة أنها سوف تعود إلى المستشفى الذي أجرى الجراحة بعد عام من تاريخ إجراء عملية الزراعة، والآن تتابع مع أطباء مستشفى خليفة بصفة دورية كل شهر تحليل وظائف الكلى الثلاث، حيث إن عملية الزراعة بالمنظار يتم فيها زراعة الكلية الجديدة من دون أن تنزع الكلية المصابة.