الفقراء في العالم يبحثون عن آلية للإدخار
يصعب على شعوب الدول الغنية تخيل كيفية العيش على دولارين في اليوم. أما الذين يعيشون ذلك، فلا تكمن مشاكلهم في الدخل المحدود، لكنها في الدخل غير المتوقع. حيث يعني العيش على دولارين، العيش 15 يوماً على 20 دولاراً يتم كسبها عادة في يوم واحد.
وتزيد عملية التحكم في الاستهلاك تعقيداً إذا لم يتوفر المكان المناسب لحفظ الأموال. ويلجأ الأغنياء عادة في حالة الطوارئ لمدخراتهم أو للاقتراض. وينحصر خيار السواد الأعظم من الذين لا يملكون ادخارات في الدول الغنية، في: من أين الاقتراض، حيث غالباً ما يكون ذلك بتكلفة كبيرة.
وتعود عدم إمكانية الاقتراض إلى النمو المطرد في عمليات التمويل الأصغر، التي تستهدف الفقراء بمبالغ قليلة من المال. وتوفر العديد من مؤسسات التمويل الأصغر حسابات توفير، وخير مثال لذلك هو بنك جرامين في بنجلاديش.
لكن يبقى الائتمان مهيمناً على هذا القطاع، وترتبط إمكانية التوفير عبر هذه المؤسسات بمدى إقبال الزبائن عليها. ومن مجموع 166 مؤسسة للتمويل الأصغر تم مسحها في 2009 بواسطة مؤسسة تبادل معلومات التمويل الأصغر، حصلت جميعها على ائتمانات، حصلت 27% منها فقط على منتجات ادخار. وينادي مناصرو الفقراء في العالم بزيادة الخدمات المالية وتنويعها لهذه الشركات.
وقد تكون بوادر ذلك لاحت في الأفق حقاً، حيث زاد عدد المؤسسات الراغبة في الادخار. ويقول معظم مديري هذه المؤسسات والبالغ عددها 400، على ضوء المسح الذي أجرته المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء، وهي مجموعة للتمويل الأصغر تعمل لدى البنك الدولي، أنهم واجهوا مشكلة سيولة أثناء الأزمة المالية الأخيرة.
وأدى هذا، بالإضافة لتكاليف التمويل المتزايدة، وتذبذب أسعار الصرف بالنسبة للمؤسسات التي تعتمد على التمويل الخارجي، إلى وجود مؤسسات “ائتمانية فقط” متحمسة لفكرة تمويل جزء من نشاطها الإقراضي عبر الاستفادة من الادخارات المحلية.
وأعلنت مؤسسة “بيل آند ميلينداجيتس” في يناير الماضي عن قروض بنحو 38 مليون دولار مقسمة على 18 مؤسسة من مؤسسات التمويل الأصغر في جنوب آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا لمساعدتها في توسيع عروض ادخاراتها. وساعدت هذه الخطوة في توسيع نشاط أعمال التمويل الأصغر التجارية لتشمل الادخارات. كما تجئ هذه الخطوة كإدراك لحاجة الفقراء للأماكن التي يضعون فيها مدخراتهم على قلتها لتصبح هذه المدخرات الصغيرة ذات فعالية. ويعتبر الاقتصاد البسيط جزءاً من مشكلة تحريك الإيداعات من الفقراء، حيث من الصعب جني الأرباح من الأشخاص الذين يقومون بإيداعات صغيرة بدون الخصم من تكاليف العملية التجارية.
وابتدعت كينيا طريقة تحويل النقود عبر رسائل الهاتف النصية بين الفقراء، وتستخدم مؤسسات التمويل الأصغر في بنجلاديش نفس هذه الطريقة. وتتم هذه الطريقة عبر اتفاقية تبرم مع شركات الهواتف النقالة.
ووجدت المصارف والمؤسسات المالية في “اللابنكية” طريقة أسهل في تقديم الخدمات للفقراء. وبدل أن يكون هناك بنك فعلي، يقوم شخص معين مقام البنك، حيث يعمل على جمع الإيداعات ودفع السحوبات للفقراء. وينتج عن هذه الطريقة وباستخدام الهواتف النقالة تقليل تكاليف العمليات المصرفية.
وليرى ذلك النموذج النور على المصارف أن تكون أكثر مرونة، خاصة في ظل ارتياح المنظمين لهذه الفكرة. وفي الهند حيث كانت البداية متعثرة، زاد عدد الوكلاء المعينين في السنة الماضية. كما أن مؤسسات التمويل الأصغر ترغب هي الأخرى في أن توكل لها مثل هذه المهمات خاصة في المناطق التي لا يسمح لها القانون باستلام الإيداعات. وإذا كانت هناك ضرورة لتقنية أفضل ولنظم أكثر مرونة لمساعدة الادخارات الصغيرة لتصبح أكثر فعالية، إلا أنها ليست بالكافية أيضاً. وتأتي هذه الخطوة الأخيرة في الوصول إلى تصميم منتجات مناسبة للفقراء، مثل مصاريف أطفال المدارس.
ويشير الخبير الاقتصادي سيندهيل مولينثان من جامعة هارفارد إلى الفرق الكبير بين حديث الناس عن الادخار وما يدخرونه فعلاً. وفي حين يعني الادخار قرار عدم الاستهلاك، يعني الاستهلاك في المقابل قرار شراء شيء معين وفي الهند، وبالتعاون مع وكلاء البنوك يتم بيع “كروت الادخار” في المحال التجارية ليصبح الادخار سلعة بيع نشطة تنافس السلع الرائجة الأخرى. وبالمصادفة يمكن لهذه الابتكارات أن تساعد الفقراء في استغلال مدخراتهم لتحسين أنماط حياتهم.
عن «إيكونوميست»
المصدر: أبوظبي