«سفّ الخوص» مهنة تراثية تودع زمنها
أصل حرفة “سف الخوص”، هي النخلة التي توصف بأنها صديقة البيئة، لأن جميع مخلفاتها يستفيد منها الإنسان، فللنخلة فوائد كثيرة خلاف ثمرها حيث يصنع من أليافها الحبال، ومن أوراقها القفف والقبعات الشعبية، ومن جريدها تصنع السلال وأوعية نقل الفواكه والخضراوات وصناعة الأثاث الخفيف مثل الكراسي، ومن نوى التمر تستخرج زيوت وتستخدم البواقي كعلف للحيوانات وجذع النخلة المقطوعة يستخدم لتسقيف المنازل الريفية وكدعامات.
اقتربنا من شمسة السويدي التي كانت أناملها تبدع في صناعة السعف في أحد المهرجانات التراثية بالشارقة، أعجبتنا القطع التراثية التي تقوم بحياكتها، فهي ذات هوية إماراتية، يمتزج فيها اللون بالفكرة الجريئة مع دقة التنفيذ، وما أن تبدأ بممارسة هذه الحرفة تفوح رائحة الماضي بيديها، فتتناغم الألوان المشتقة من بيئتنا الممتزجة بجمال الإبداع والتألق، لتجسد في النهاية لوحة متكاملة مليئة بالأصالة والتراث.
تلتفت شمسة وهي تبتسم، وتقول
“ هذه المهنة كنت أزاولها منذ القدم، وقد شاركت في العديد من المهرجانات الوطنية والفعاليات التراثية” ،لكنها تصمت وتتابع عملها وسط الأمهات اللاتي انشغلت كل واحدة منهن بعملها. تتابع وهي مرتدية العباية السوداء والبرقع الذي يزين وجهها “المرأة في الماضي كانت حرفية متميزة، فهي ناسجة السدو، والسجاجيد، وهي صانعة الخوص والخزفيات، ومعدة الأطعمة والمأكولات وهي الحائكة الماهرة”. تضيف “ورثت هذه الحرفة عن والدتي تعلمتها منذ كنت صغيرة، حيث وجدت نفسي بين أهٍل يمارسون هذه الحرفة، ونشأت معها وكبرت معي، كما كبر تعلقي بها”. تواصل شمسة حديثها “أحرص على تعليم أبنائي أسرارها، وأحاول أن أحببها في نفوسهم حتى يستطيعوا أن يجمعوا بينها، وبين وظائفهم للحفاظ على هذه الجزئية من الموروث الشعبي”.
أما عن أنواع الخوص فتقول شمسة “النوع الأول هو من بقية أوراق النخيل العادية، وهي أكثر خشونة وطولاً ويتم غمرها بالماء لتطريتها حتى يسهل تشكلها، ثم تأتي مرحلة صباغة الخوص التي يتم فيها تلوين الخوص، ولا يكتفى باللون الأبيض والحليبي، بل يتم صبغ الخوص بالألوان الطبيعية وتتوافر هذه الأصباغ في محال العطارة. بعد ذلك تبدأ الصباغة في وعاء كبير وتوضع فيه الصبغة المطلوبة ثم يتم إسقاط الخوص المطلوب تلوينه ويترك لمدة خمس دقائق ثم يرفع من الماء ويوضع في الظل ، وبالنسبة للخوص الأبيض والحليبي فإنه يكتسب اللون نتيجة تعرضه للشمس فيتحول لونه الأخضر إلى اللون الأبيض.
وتتابع شمسة “عند صبغ الخوص لا بد من نقعه في الماء لتليينه، سواء كان عادياً أو ملوناً ، لأن الصبغة لا تزال بالماء، وبعد تطرية الخوص يسهل تشكيله ويبدأ التصنيع بعمل جديلة طويلة وعريضة متقنة الصنع ومتناسقة الألوان ويختلف عرض الجديلة حسب نوع الإنتاج، وكلما زاد العرض كلما زاد عدد أوراق الخوص المستعملة”.
وحول أهم منتجات تلك الحرفة توضح “من أشهر تلك المنتجات (السفرة، والسلة، والجفير، والقفة، والمهفة) بمختلف الألوان والأحجام، وكذلك من منتجات النخيل السباك، السرود وتستخدم في صناعتها الخوص وعذوق النخيل، وهذه المنتجات منتشرة في المعارض التراثية، وتختص بإنتاجها النساء، وبالإضافة إلى النساء بالقرى، فإن هناك العديد منهن يعملن في مشروع الأسر المنتجة أو مراكز الحرفيين، ويحتاج كل منتج حسب الحجم واللون والشكل لصناعته من يومين الى أربعة، وهذه المنتجات تحتاج إلي التركيز والدقة لما تحتاجه من إتقان”.
المصدر: الشارقة