أحمد السعداوي (أبوظبي)
شهدت أرفف الأجنحة المشاركة بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، حضوراً لافتاً للكتب المترجمة من لغات متنوعة إلى العربية، ما يلقي على عاتق دور النشر مزيداً من المسؤولية لرفد المكتبة العربية بإبداعات الكتاب والأدباء وأصحاب الأقلام وحتى العلماء العرب، التي تفتح آفاقاً واسعة أمام جمهور القراء لينهلوا من بحور المعرفة والعلوم كل بحسب ما يميل ويهوى. فهل الواقع الذي نعيشه في عالم متغاير الثقافات والأفكار يشهد منافسة فعلية بين المطبوعات المكتوبة باللغة العربية والأخرى المترجمة إلى العربية؟ سؤال طرحته «الاتحاد» ويجيب عنه عدد من أصحاب دور النشر على هامش حضورهم فعاليات النسخة الحالية لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب.
لا منافسة حقيقية
يقول عصام أبو حمدان، المسؤول عن دار الساقي للنشر، إنه لا يرى منافسة حقيقية بين الكتب المترجمة والمكتوبة باللغة العربية، كل نوع له قراؤه، وفي الوقت ذاته هناك جمهور يقرأ النوعين وما من إشكالية في هذا الصدد، وتبعاً لهذا المبدأ نحن كدار نشر نصدر كتباً مترجمة حتى نلبي طموح القراء على الأقل في عالم الروايات. وفيما يخص الكتب الفكرية والسياسية وغيرها من الكتب المشابهة، فإن اهتمام القارئ يقوده إلى نوعية الكتاب الذي يريده هل يكون عربياً أو مترجماً إلى العربية. وبالتالي فإن أغلبية القراء يحصلون على الكتاب بحسب الموضوع وليس كونه مترجماً أو ألّفه كاتب بعينه.
مع ذلك، لا ينفي أبو حمدان وجود تمايز بسيط في الموضوعات الخاصة بالعالم العربي، حيث توجد ثقة أكبر إلى حد ما بالكتب المترجمة، وهذا شيء مفاجئ للجميع، حيث تعتقد نسبة كبيرة من القراء أن الكتاب العرب متورطون عاطفياً في الموضوع محل الكتاب، ويكون لديه موقف ما منه، بينما المؤلف الأجنبي أكثر حياداً في تناول مثل هكذا موضوعات. ولكن بشكل عام الجمهور يقرأ النوعين من الكتب، والكتاب يحقق النجاح أو الفشل بحسب نوعية الكتاب وليس لأنه مترجم أو لا، وبالتالي لا نستطيع تغليب كفة ناحية على أخرى. كما أشار إلى أن بعض دور النشر قد تستطيع استقطاب كاتب أجنبي مهم وتفشل مع نظيره العربي، وبالتالي قد يعتقد البعض أن الكتاب المترجم يحقق انتشاراً أو مبيعات أكثر، وهو معيار مغاير للحقيقة تماماً. لافتاً إلى أن النوعين من الكتب يتساويان في القيمة واستقطاب الجماهير. وهو كمسؤول في دار نشر لا يعطي أي اهتمام أو تمايز في التعامل مع الكتاب إذا كان مترجماً أو لا، وإنما التركيز الأكبر على أهمية الموضوع بالنسبة للجمهور، وهذا لا ينفي وجود اعتبار لكلفة الكتاب المترجم قياساً إلى العربي، ويؤثر فقط بإنتاج الكتاب وليس الاهتمام به، حيث قد يكون الكتاب مهماً جداً، ولكن لأسباب اقتصادية لا تتصدى بعض دور النشر لإنتاجه.
المترجم يتفوق
مهيار كردي، المدير التنفيذي لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود» للنشر والتوزيع في بيروت، بين من جانبه أن الكتاب المترجم عليه إقبال يعادل أو يفوق الكتاب العربي، لأن هناك فئات واسعة من الجمهور تحبذ قراءة ما يكتب في الغرب.
وأورد كردي، أن زيادة الاهتمام بالكتب المترجمة يرجع إلى وجود ثقة من الجمهور، فيما يكتب في الغرب، إضافة إلى شغف الكثيرين بمعرفة ماذا يقال عنا في الغرب؟ لافتاً إلى أنه يترجم كتب في موضوعات متنوعة منها التصوف فتجد إقبالاً كبيراً من الجمهور، وهذا لا ينفي وجود طلب على الكتاب العربي لأنه الأصل والأكثر تواجداً في المنطقة العربية. وبين كردي، أن الاهتمام بعمليات الإخراج والطباعة وغيرها من تقنيات الطباعة والتوزيع والنشر، يكون بنفس القدر بين الكتب المترجمة والأخرى المكتوبة باللغة العربية، فالمضمون الذي يفرض نفسه في كل الأحوال، مشيراً في الوقت ذاته إلى وجود تكلفة إضافية في التعاطي مع الكتاب المترجم ومنها شراء الحقوق. ورغم هذه التكلفة العالية إلا أن مبيعات الكتاب تغطي هذه التكلفة.
وفيما يتعلق بمستقبل الكتاب العربي مقارنة بالكتاب المترجم، أكد وجود طلب على الكتاب العربي، في ظل وجود قامات فكرية وعلمية كبرى تظهر بشكل متواتر في مناطق مختلفة من العالم العربي، كما أن الكتاب المطبوع بصفة عامة سيبقى له حضوره الدائم في المكتبات رغم الركود الظاهر في حركة مبيعات الكتب والاهتمام بالقراءة في العصر الحالي.
العربي يتفوق
خالد عباس ياسين، من دار المصورات للنشر من السودان، رأى أن الكتب المترجمة لها وجودها الواضح في معارض الكتب العربية ومنها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومع ذلك فإن المؤلفات المكتوبة العربية تحتل موقع الصدارة، بفضل وجود كتاب عرب كثيرين في بلدان عربية مختلفة ولهم جمهورهم الواسع الذي يتابع إصداراتهم ويحرص على اقتنائها، ومع ذلك فالكتب المترجمة أيضاً لها جمهورها الذي لا يمكن التقليل من حجمه.
وأورد ياسين أن أهمية الكتب المكتوبة بالعربية، ترجع إلى أنها في غالبية الأحوال بسيطة ومفهومة في حين المترجمة، نجد اختلافات بين الترجمات ما يؤثر على المضمون أحياناً بعكس المباشرة التي يتميز بها الكتاب المكتوب العربية.
وبين ياسين أن التعاطي مع الكتب المترجمة والأخرى المكتوبة باللغة العربية، في مسألة الطباعة والنشر يكون بنفس القدر وما يحكمها هو النسق والتوجه العام لدار النشر هذه أو تلك، مبيناً أنه فيما يتعلق بمستقبل الكتب المترجمة في مواجهة المكتوبة بالعربية، فستبقى الأولوية في التوزيع والانتشار للكتب العربية باعتبارها الأقوى والأسهل في التواصل مع شرائح واسعة من الجمهور.
يتكاملان
محمد البعلي، مدير دار صفصافة للنشر من جمهورية مصر العربية، ارتأى أن إصدارات الكتب المترجمة والمكتوبة باللغة العربية، تكمل بعضها بعضاً، فالمكتبة العربية فقيرة نسبياً في بعض النواحي مثل العلوم البحتة والاجتماعية وعلوم النفس، وفي المقابل غنية في الأدب والشعر، وبالتالي مكتبة القارئ غير المتخصص بحاجة إلى الكتب العربية والمترجمة.
ويتابع: صحيح أن هناك تزاحماً بعض الأحيان في مكتبة القارئ العربي فيما يتعلق بالأدب العربي والآخر المترجم، ولكنه تزاحم إيجابي كون أغلب ما يترجم للعربية يتميز بالرقي الفني والقوة في الإنتاج خاصة في الكلاسيكيات، حيث هناك عودة كبيرة للاهتمام بالكلاسيكيات العالمية وهذا من ناحية يرفد المكتبة العربية بإصدارات ممتازة من لغات وثقافات مختلفة، ومن ناحية أخرى يقدم للأديب العربي نماذج تساعده في تطوير أعماله، وكذلك تنافس ما ينتجه في السوق وبالتالي تدفعه إلى مزيد من التجويد فيما يتصدى لتأليفه.
ونفى البعلي وجود أي غلبة للكتب المترجمة، بل العكس من ذلك هناك نقص في الكتاب المترجم، ونحن في حاجة لمزيد من الترجمات في الأدب والعلوم الاجتماعية والبحتة وغيرها من صنوف المعرفة، ونتمنى أن نرى مزيداً منها في المكتبة العربية. مؤكداً إن عدد الكتب المنتجة في المنطقة العربية لا يوازي عدد المتحدثين باللغة العربية، مقارنة باللغات الأخرى ليست من النسب المرتفعة وبالتالي نتمنى مزيداً من الكتب المؤلفة باللغة العربية.
وأشار مدير دار صفصافة، إلى أن درجة الاهتمام بالمؤلفات العربية أو تلك المنقولة إلى العربية، ترتبط بمنهاج كل دار على حدة والأولويات التي تضعها في خطط عملها، ودور النشر العربية بشكل عام تستثمر في الترويج للكتب المترجمة أكثر من العربية، كونها تكون ذات كلفة أكبر من حيث حقوق الملكية والترجمة وغيرها من تقنيات الطباعة والنشر، وهذا غالباً يتم مع الكتب المتوقع أن يتم بيع عشرات الآلاف من النسخ منها.