محمد إبراهيم (الجزائر)

بينما يعج شارع «سيدي يحيى» التجاري الراقي في حي حيدرة بأعالي الجزائر العاصمة بالحركة، يجلس الشاب الجزائري ميلود مراد (32 سنة) داخل سيارته الأجرة محلية الصنع، منتظراً زبائنه من رواد المطاعم والمقاهي ليقلهم إلى وجهاتهم. مراد الذي لم يشارك يوماً في أي نشاط سياسي، إذا به فجأة يحرص على المشاركة في مظاهرات الحراك الشعبي التي بدأت في 22 فبراير الماضي، ورغم أنها أدت لاستقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، إلا أنها مستمرة للإطاحة برموز نظامه. يتوقف مراد عن العمل يوم الجمعة، من كل أسبوع، للمشاركة في مظاهرات الحراك الشعبي بوسط العاصمة القريب من منزله، بحي «العناصر» بالجزائر العاصمة. ويقول مراد لـ«الاتحاد» إنه: «عندما تولى بوتفليقة الحكم كنت طفلاً في الثانية عشرة من عمري، وعشت 20 عاماً تحت حكمه، لا أستطيع أن أقول إنه كان سيئاً طوال تلك الفترة، أول 3 عهدات (فترات) رئاسية كان جيداً، ولكن مع ترشحه لولاية رابعة في 2014 رغم مرضه بدأت الأمور في التدهور». وأصيب بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013، أقعدته عن الحركة، وبات يستخدم كرسياً متحركاً في تنقلاته، ونادراً ما كان يظهر في مناسبات أو استقبالات رسمية.
ويضيف مراد، وهو ينفث دخان سيجارته «الشعب الجزائري يدرك أن بوتفليقة لم يكن صاحب القرار بالترشح، سواء في العهدة الرابعة أو الخامسة التي لم تتم، شقيقه السعيد هو من كان يدير الدولة». ويبرر مراد سبب مشاركته في المظاهرات قائلاً «عمري 32 عاماً وتخرجت في كلية الاقتصاد وأعمل سائقاً منذ 12 عاماً، وليس لدي شقة لأتزوج بها، أريد فرصة عمل مناسبة، وأريد أن أبدأ حياتي وأنجب أطفالاً». ويقول «قدمت على شقة في مشروع «عدل» التابع للدولة منذ 8 سنوات ولم أحصل على الشقة بعد، ولا أعلم متى سيحدث ذلك، لذلك سأضطر لاستئجار شقة للزواج بها وهو ما سيكلفني أموالاً إضافية». ومشروع «عدل» هو صيغة للسكن المدعم لمحدودي الدخل أطلقته الحكومة الجزائرية عام 2001 تتمثل في الحصول على شقة مع دفع إيجار بسيط لمدة معينة ليتملكها المواطن بعد ذلك. ويبلغ متوسط سعر الإيجار الشهري للشقة في منطقة شعبية بالجزائر العاصمة نحو 20-30 ألف دينار (170 - 260 دولاراً بحسب السعر الرسمي للصرف).
وعما تغير خلال الأسابيع العشرة الماضية، يقول مراد: «الشيء الوحيد الذي تغير أن بوتفليقة لم يعد رئيساً، على أرض الواقع لم يتغير شيء بعد، ننتظر الإطاحة ببقية أفراد العصابة، ونبدأ نظاماً جديداً يقوم على العدل لكي نحصل على حقوقنا». ويستخدم الجزائريون مصطلح «العصابة» للإشارة إلى الدائرة المحيطة ببوتفليقة، وأول من أطلق هذا المصطلح كان الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان الجزائري. ومنذ استقالة بوتفليقة من منصبه في 2 أبريل الجاري، تشهد الساحة السياسية الجزائرية حالة من الانسداد بسبب رفض الحراك الشعبي والمعارضة تولي عبدالقادر بن صالح الرئاسة بشكل مؤقت، بسبب كونه أحد رموز نظام بوتفليقة، إضافةً لمطالبتهم بإقالة رئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان) معاذ بوشارب، والطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري الذي استقال الأسبوع الماضي.
المحلل السياسي الجزائري شريف بوزريعة قال لـ«الاتحاد» إن: «أبرز ما تغير في الجزائر منذ 22 فبراير الماضي، هو أن الشارع أصبح له صوت مسموع داخل أروقة صنع القرار». وأضاف «نجح الشعب الجزائري في رفض العهدة الخامسة لبوتفليقة، ثم رفض تمديد العهدة الرابعة، ثم رفض مطلب بوتفليقة الاستمرار في الحكم حتى 28 أبريل الجاري، وأجبره على الاستقالة، ورفض وجود الطيب بلعيز على رأس المجلس الدستوري». وأشار إلى أنه يتبقى الإطاحة ببقية رموز نظام بوتفليقة لكي يشعر المواطنون بأن ما خرجوا في سبيله قد تحقق، معتبراً أن أكبر إنجاز على مدار الأسابيع العشرة الماضية، هو المحافظة على سلمية المظاهرات، وعدم إراقة نقطة دماء واحدة. وقال بوزريعة: «حاول أفراد العصابة تعكير صفو سلمية المظاهرات، فظهرت محاولات لإثارة العنف في جمعة أو جمعتين، لكن تمت السيطرة عليها من قبل المتظاهرين والشرطة، كما تعهد الفريق قايد صالح بحماية المسيرات والمتظاهرين». أما الكاتب والمحلل السياسي، كريم بلحاج، فاعتبر أن أبرز ما تحقق في الجزائر بعد شهرين ونصف من الحراك، هو بدء محاسبة الفاسدين من المسؤولين السابقين والحاليين ورجال الأعمال. وقال بلحاج لـ«الاتحاد»: «رأينا أخيراً من سرقوا الشعب لسنوات أمام القضاء، وننتظر أن ينالوا جزاءهم ويعيدوا ما سرقوه لخزينة الدولة». واعتبر أن نظام بوتفليقة كان قائماً على تحالف بين السلطة ورجال الأعمال الذين حصلوا على امتيازات ضخمة وبشكل غير مشروع، وقال «هذا النظام يدفع الثمن الآن». وشهد الأسبوعان الماضيان استدعاءات قضائية وإقالات لمسؤولين ووزراء حاليين وسابقين ورجال أعمال مقربين من بوتفليقة للتحقيق معهم في وقائع فساد، وتم وضع 5 من كبار رجال الأعمال قيد الحبس المؤقت على ذمة تلك القضايا.
وأشار إلى أن هناك نوعاً آخر من الفساد كان مستشرياً في الجزائر، وهو الفساد السياسي للأحزاب، وقال «رأينا طيلة 20 سنة أحزاباً تغير مواقفها حسب مصالحها، لتتقرب من قيادة نظام بوتفليقة، هؤلاء المتلونون يجب أن يحاسبوا على ما فعلوه، فالفساد السياسي لا يقل خطورة عن الفساد المالي». وقال إن «أحمد أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم في عهد بوتفليقة) على سبيل المثال كان معارضاً للعهدة الرابعة لبوتفليقة، لأنه كان خارج الحكومة، وله تسجيلات مصورة منتشرة على الإنترنت يقول فيها في 2014 إن بوتفليقة المريض لا يصلح للرئاسة، وإذا به في 2019، ونظراً لكونه رئيساً للحكومة في ذلك الوقت كان يدافع عن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، وأن صحته جيدة». وبحسب مصادر تحدثت لـ«الاتحاد» شريطة عدم تعريفها، فإن الجزائريين على موعد مع إقالة «باء» جديدة خلال الأسبوع القادم. وترمز الباءات الثلاث التي يطالب الجزائريون بتنحيها إلى: بن صالح الرئيس المؤقت، وبدوي رئيس الحكومة، وبوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني.

ترخيص 18 حزباً سياسياً بالجزائر
أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية منح 18 حزباً سياسياً تراخيص من أجل عقد مؤتمراتها التأسيسية، ودعوة حزبين سياسيين إلى استكمال إجراءات التأسيس. وأضافت الوزارة أنه تم إصدار 27 وصلاً لجمعية وطنية ما بين الولايات وتسجيل 380 جمعية محلية (بلدية ولائية) تسجيل 130 جمعية دينية ومسجدية. وقبل أيام، رخصت وزارة الداخلية 10 أحزاب سياسية لعقد مؤتمراتها التأسيسية، واعتمدت 22 جمعية وطنية وجمعية ما بين الولايات. يأتي هذا تنفيذاً للقرارات المنبثقة عن اجتماع الحكومة المنعقد مطلع الشهر الجاري التي قضت بضرورة دراسة ملفات إنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية.