محمد نجيم (الرباط)

يحتضن رواق مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير بالرباط، المعرض الاستعادي الكبير لأعمال الفنان التشكيلي المغربي محمد المليحي، والذي جمع فيه هذا الفنان الكبير والذي يعتبر من رواد الحركة التشكيلية المغربية، لوحات تؤرخ لستة عقود من رحلته مع اللون والريشة والإبداع الراقي، والمطبوع بطابعه المتفرد الذي تتميز به من شاعرية اللون وتمَوجّه وانسيابية لغته التشكيلية الطافحة بما تزخر به بيئته من عفوية وجمال مدينته الشاطئية والهادئة أصيلة؛ أعمال أوصلته إلى أكبر المتاحف وقاعات العرض والمحافل الفنية في العالم والتي تعتبر اليوم من التراث الفني وأحد رموز الحداثة الفنية في المغرب وشاهدة على الحراك الفني في هذا البلد، كما قال الفنان محمد المليحي في كلمته الافتتاحية للمعرض، مضيفاً أن هدفه من تنظيم هذا المعرض هو أن يتيح الفرصة لجيل الفنانين الشباب للتعرف على هذا الموروث الفني الذي أنجز قبل ولادة هذا الجيل.
وأشار إلى أن المعرض سيتيح لهؤلاء الشباب التعرف على حقبة مهمة وأساسية من تاريخ الحركة التشكيلية المغربية والتي وصل صداها إلى عدد بلدان العالم.
ولد الفنان الكبير محمد المليحي بمدينة أصيلة سنة 1936 وتخرج في مدرسة الفنون الجملية بتطوان (1953 - 1955)، قبل أن يواصل دراسته في إسبانيا وإيطاليا ليقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية سنة 1962 والتي قضى فيها سنتين ليحتك برواد الحداثة التشكيلية هناك ويبلور أسلوبه الخاص في التعامل مع اللوحة والمجسم الفني، من دون أن يتأثر كأقرانه بالبعد الجمالي في لوحات الفنانين الكبار من جيله في فرنسا، بل حفر له أسلوبه وطابعه الخاص مع تأثر بسيط بأسلوب الفن التشكيلي الأميركي، خاصة أعمال رواد المدرسة الطلائعية الأميركية.
ويصف الطاهر بن جلون أعمال محمد المليحي بأنها رمز هائل للديمومة والرغبة. منذ مدة، ويده ونظرته ممتلئتان بورع جميل: إنها ألوان الحياة المحملة من طرف الطيور الطوافة وذكريات الطفولة، التي تسكنه بثبات وعلى نحو طبيعي، مضيفاً أن «أعمال المليحي، الذي رغم مروره من موضة الفنون التشكيلية الإيطالية في فترة الستينيات من القرن الماضي، ارتبط من جديد بهذه الذكرى الطفولية اليوم، وبانسجام، نتابع عودته نحو الأصول ونحو بعض مظاهر الجرأة التي تفتننا. يدعونا المليحي لزيارة عالم أحلامه. الأجساد أشكال تخطيطية باحتراس. يترك للنظر متعة التخيل. قاوم كل التأثيرات والموضات التي غزت الساحة المغربية، لكنه ظل مخلصا لذاته ولم يغرق في اللبس التجاري المترتب عن التقليد الأعمى».
الفنان محمد المليحي، رغم إقامته في الولايات المتحدة الأميركية، لم تفارق مدينة أصيلة مخيلته إذ سرعان ما تخلى هذا الفنان عن كل ما تعلمه هناك وركز على ما هو محفور في وعيه والمتعلق بالثقافة المغربية والنسيج التقليدي الذي عرف في المدن المغربية العريقة: فاس، مراكش وأصيلة التي أسس فيها رفقة محمد بنعيسى موسم أصيلة الثقافي الدولي والذي مازال، منذ عقود طويلة من الزمن منارة ثقافية كبرى.
وينقسم المعرض إلى قسمين، ضم في قسمه الأول لوحات رسمها المليحي خلال الفترة التي تمتد من 1958 إلى 1964، وقسم آخر يضم لوحات رسمها خلال الفترة الممتدة من 1965 إلى 1980.