الشلل الدماغي إحدى الإعاقات النمائية أو الاضطرابات العصبية الحركية أو أي تغيير طبيعي يطرأ على الوظائف الحركية الناجمة عن إصابة الأنسجة العصبية في الدماغ والجهاز العصبي المركزي، يصاحبه عجز حركي أو حسي أو معرفي أو انفعالي أو عدم توازن حركي· وهو لا يعتبر مرضا وإنما مجموعة من الأعراض المرضية، كما أنه ليس وراثياً وليس قابلاً للشفاء، ولكنه يستجيب للتدخل العلاجي· وقد يحدث الشلل الدماغي للطفل وهو جنين في بطن أمه، وتشكل حوالي 40% من الحالات المصابة بالمرض، نتيجة نقص الأكسجين خلال الحمل بسبب التفاف الحبل السري حول عنق الجنين أو اختناق الأم أو فقر الدم· أو تعرض الأم الحامل للالتهابات المختلفة، أو الإصابة باضطرابات مزمنة كالسكري، الربو الشديد، اضطرابات القلب وتضخم الغدة الدرقية· وربما يحدث الشلل الدماغي للطفل في فترة ''الخداج'' كأن يولد الطفل قبل أن تبلغ فترة الحمل 40 أسبوعاً أو أن يولد بوزن أقل من 2500 جرام، وقد ينتج الشلل من إصابة الأم الحامل بالتهابات الكلى أو المجاري البولية والتدخين، ولدى الأم التي يقل عمرها عن 16 سنة أو التي يزيد عمرها عن 40 سنة· أما العوامل الجينية فتشكل ما نسبته 5-10% من حالات الشلل الدماغي· وثمة أسباب للإصابة بالمرض ترتبط بمرحلة الولادة، وهذه الأسباب تشكل 45-50% من الحالات، ومنها: الرضوض والإصابات أثناء الولادة أو النزيف الذي ينتج عن اتخاذ الطفل وضعاً غير طبيعي داخل الرحم، وتعرض رأس الطفل لضغط غير عادي يؤدي إلى نزيف دماغي، واستخدام العقاقير المخدرة في عملية الولادة، مما يؤثر على عملية التنفس لدى الطفل ويؤدي إلى نقص أكسجين· وقد تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة حوادث معينة تقدر نسبتها من 10-15% من حالات الشلل الدماغي، تشمل: إصابات الرأس، والحوادث التي تؤدي إلى نزف دماغي يترتب عليه تلف دماغي أو قد يكون النزف لأسباب أخرى تتصل بالأوعية الدموية· وربما يحدث الشلل الدماغي نتيجة للإصابة بالتهابات خطيرة كالتهاب أغشية السحايا، والتهاب الأغشية الدماغية· كما يمكن أن ينتج عن تناول بعض العقاقير أو التسمم· تصنيف الشلل الدماغي يصنف الشلل الدماغي تبعاً للأطراف المصابة، فالشلل النصفي هو إصابة أحد الجانبين الأيمن أو الأيسر، والرباعي، يشمل الأطراف الأربعة، والشلل السفلي يعني الأطراف السفلية، أما الشلل في طرف واحد وفي ثلاثة أطراف فهو حالات نادرة· كما قد يصنف المرض تبعاً لطبيعة الضعف العضلي، فهنالك الشلل الدماغي ''التشنجي'' وهو النوع الأكثر شيوعاً ويمثل 50-60%من الحالات، ويتصف بزيادة التوتر العضلي، مما يؤدي إلى تشوهات وضعية كانحناء الظهر أو تشوه الحوض أو الركبتين· وهنالك الشلل الدماغي التخبطي الذي ينتشر بنسبة 12% وقد يسمى ''بالتراقصي''؛ لأنه يتصف بحركات لا إرادية عشوائية غير هادفة ويكون مستوى التوتر العضلي فيه متغير باستمرار· إضافة إلى الشلل الدماغي ''التخلّجي'' الذي ينتج عن إصابة المخيخ (مركز التوازن) وتقدر نسبة انتشاره بـ 2-10%، وأهم ما يتصف به هو عدم مقدرة الطفل على حفظ توازنه· وبحسب شدة الإصابة يمكن العلاج، فالشلل الدماغي البسيط يحتاج إلى تدريب بسيط بواسطة معالج طبيعي، حيث يظهر نوعاً من التقدم الملموس في الأنشطة الحياتية اليومية· أما الشلل الدماغي المتوسط فيكون فيه النمو بطيئاً جداً، لكن الأطفال المصابين تتطور لديهم القدرة على ضبط حركة العضلات الدقيقة· فيما تحتاج حالات الشلل الدماغي الشديدة إلى برنامج علاج طبيعي مكثف ومنتظم ومتواصل· ونادراً ما تقتصر آثار التلف الدماغي للطفل المصاب بالشلل الدماغي على مظاهر النمو والحركة، فقد ترافقها واحدة أو أكثر أو ربما جميع الإعاقات التالية: الاضطرابات الفمية والسنية، كصعوبات البلع، سيلان اللعاب، صرير الأسنان وتسوسها، والتخلف العقلي أوالصرع، حيث إن 35-60% من أطفال الشلل الدماغي يعانون من نوبات صرع، والإعاقة السمعية، والإعاقة البصرية· بالإضافة إلى اضطرابات التواصل، مثل عسر الكلام، تأخر النطق، وعدم المقدرة على اختيار الكلمات وتنظيمها· إن تشخيص الشلل الدماغي عملية عيادية تشمل العديد من الفحوصات الطبية، منها الأشعة السينية والتخطيط الدماغي الكهربائي والتصوير المحوري الطبقي وتصوير الشرايين الدماغية وفحوصات الدم والبول واختبار ''أبجر'' (تقييم لون الجسم وتوتر العضلات والتنفس ونبض القلب وردود الفعل الانعكاسية) وفحص السائل الجنيني، ويتم عادة في فترات الحمل· أما العلاج، فهو عملية متواصلة تهدف إلى مساعدة الطفل في اكتساب المهارات والقدرات الحركية الوظيفية· ولما كانت عملية النمو الطبيعية تعتمد على العلاقة بين الأم والطفل، فإن حجر الأساس في علاج الشلل الدماغي هو الإرشاد الأسري· ولقد تم تطوير طرق عديدة في ميادين العلاج الطبيعي والوظيفي للوقاية من المشكلات الحركية - الحسية من أشهرها: أسلوب ''بوباث'' ويهدف لإعادة التوتر العضلي إلى مستويات عادية وكبح الاستجابات الحركية غير الطبيعية وتطوير الأنماط النمائية الطبيعية· وأسلوب ''دومان - ديلاكاتو'' ويهدف لتقويم مستوى الأداء الحركي للطفل بما في ذلك الاستجابات اللاإرادية والانعكاسية· إضافة إلى أسلوب ''رود'' وهدفه زيادة مستوى النشاط العضلي بطرق مختلفة، كالتدليك واستخدام الحرارة والبرودة· أما أسلوب ''كابات- نوت'' فيهدف إلى توظيف الأجزاء القوية وغير المصابة في الجسم من أجل تقوية الأجزاء الضعيفة· إن لكل حالة من حالات الشلل الدماغي خصوصية يترتب عليها العلاج، وليس هناك أسلوب محدد متبع لكل الحالات، وقد يتبع المعالج أسلوباً من الأساليب المذكورة مع إحدى الحالات ويلجأ لآخر مع حالة أخرى أو ربما يستخدم أسلوبين أو أكثر في علاج ذات الحالة· وكلها تعتمد على نوع الإصابة وشدتها وعمر الطفل والإعاقات المرافقة، ولكن العلاج الأمثل يكمن في تعاون فريق متكامل ومتعاون للوصول بالطفل إلى أقصى درجات الاعتماد على الذات· نجوى فضل أخصائية علاج طبيعي