محمود قابيل قلب شاعر وعقل عسكري
عشت طفولة سعيدة في بيت مليء بالحب بين والدي ووالدتي وشقيقي حسن وإسماعيل· وما زالت ذاكرتي تحمل بعض الصور عن المدرسة والبيت والحديقة التي كنت ألعب فيها·
هكذا بدأ محمود قابيل بوحه للمرآة، ثم أضاف: ''لم أكن طفلاً شقياً· كنت أختلي بنفسي ولا أشارك زملائي وأصدقائي اللعب· وكنت أحكي لنفسي قصصاً وأتعامل مع أعواد الكبريت باعتبارها أشخاصاً أحكي لهم الحكايات· وكان والدي يمنع أي شخص من الاقتراب مني في هذه اللحظات· وفي المساء أجمع شقيقيّ وأصدقائي وأروي لهم هذه القصص، وكان عمري وقتها أربعة أو خمسة أعوام''·
كان والد محمود أقرب إليه من والدته، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أنني ''كنت أقضي معه وقتاً طويلاً وأتكلم معه كثيراً، خصوصا خلال تدليكي يديه بسبب الآلام الحادة التي كان يشعر بها فيهما· كان ديمقراطيا، وأعطاني الحرية الكاملة في تصرفاتي أنا وأشقائي· وربما أكسبته دراسته في فرنسا أفقاً مفتوحاً في أي حوار· ورغم أنه كان حازماً إلا أنه كان حنوناً في الوقت نفسه، وكنا نخاف غضبه''·
ويتذكر محمود قابيل المرة الوحيدة الذي عاقبه فيها والده بالضرب: ''كان مدعواً على العشاء مع الملك فاروق في حفل رسمي، فأمسكت طربوشه وخلعت منه الزر، وتلقيت ''علقة'' ساخنة لا أنساها''·
لهذه الأسباب وغيرها تركت شخصية والده أثراً واضحاً في نفسه، ''رحيله زلزلني، فقد كان كل شيء في حياتنا، يحمينا ويمنحنا الرعاية والاهتمام· وعندما مات شعرت بأن الدنيا انتهت وأن الزمن توقف، بالإضافة إلى أن وفاته جعلتني أكتشف قوة والدتي وصلابتها رغم صغر سنّها، ففي ذلك الوقت لم تكن تتعدى الثانية والثلاثين''· لم يعش محمود قابيل مرحلة المراهقة: ''لم أعش مراهقتي كما ينبغي، لأنني كنت أشعر بمسؤوليتي مع والدتي عن البيت بعد وفاة والدي· وكنت أشعر بالضيق المادي الذي نعيش فيه والصراع المستمر الذي يدور في أعماق والدتي لإرضائنا، لذلك كنت أحاول تخفيف المسؤولية عنها''· ذاق محمود قابيل طعم الحب الأول وهو في الرابعة عشرة من العمر، ''وذات مرة فوجئت بحبيبتي تخرج من حقيبتها سكيناً، ثم تجرح إصبعها وتجرح إصبعي وبمجرد رؤيتي الدماء أغمي عليَّ فاعتبرت ذلك دليلاً على عدم حبي لها· لقد أرادت أن تقلد مشهداً رأته في فيلم أجنبي من بطولة إيفا جاردنر وروبرت تايلور يتضمن مشهداً تودع فيه البطلة البطل بأن تمزج دمها بدمه· وقد صدمت في هذا الحب فقد كانت حبيبة القلب زميلتي في الفصل، وعندما علمت أنني سألتحق بالكلية الحربية انسحبت من حياتي تماماً''·
ويتذكر قصة حبه لزوجته الأولى السيدة ليلى محرم فيقول: ''عندما رأيتها لأول مرة حدث بيننا انجذاب شديد من النظرة الأولى· كنت في النادي عندما رأيت صديقتي المخرجة إيناس الدغيدي فتوجهت إليها لإلقاء التحية، ووجدت ليلى إلى جوارها وبدأنا نتحدث في أمور كثيرة·
علمت أنها فنانة تجيد الرسم وأنها ورثت هذه الموهبة عن والدتها، فطلبت منها أن ترسمني، وطبعاً كانت جلسات الرسم فرصة للحوار والتعارف، ثم جاء الحب، وبعد أن انتهت من رسم اللوحة قابلت والدها وطلبت يدها· واستمر زواجي منها 13 عاماً ثم حدث الطلاق لأسباب ليس لها علاقة بالحب أو العاطفة، منها عودتي الى الفن واستمرار الأولاد في العيش في أميركا· لم يكن قرار الانفصال سهلاً فقد كان أصعب قرار في حياتي، لأن معناه أنني فشلت·
يتميز محمود قابيل برومانسيته لكنه يؤكد أنها لا تؤثر في قراراته ''لأن خدمتي كضابط في القوات المسلحة المصرية علمتني أن أفصل عواطفي ومشاعري عن أي قرار أتخذه، مثلاً بعد قرار الطلاق شعرت بالوجع والنزيف الداخلي، لكن كان أمامي هدف محدد هو حب الأولاد لوالدتهم''·
وعن ولديه ''إبراهيم وأحمد'' يقول: تربطني بهما صداقة عميقة وأشتاق اليهما كثيراً، لأنهما يعيشان في أميركا مع والدتهما· وقد ورث أحمد عني القراءة وحب التاريخ والرسم، وورث ابراهيم الجزء التنظيمي في الحياة والترتيب، وهو يكتب قصصاً قصيرة مثلما كنت أفعل·
المصدر: القاهرة