مجالس المحافظات العراقية··· فرصة انتخابية للتمثيل المباشر
في غضون الأشهر القليلة المقبلة سيلوح العراقيون بأصابعهم التي اصطبغت باللون الأرجواني وهم يدلون بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات، وفيما يعكف البرلمان العراقي على مناقشة القانون الانتخابي الذي سينظم عملية الانتخابات، تبرز فرصة مهمة أمام الدبلوماسيين الأميركيين والخبراء الدوليين لتصحيح الأخطاء السابقة، أو على الأقل، إذا لم يتمكنوا من ذلك، المساعدة على وضع مجالس المحافظات في مسارها الصحيح، وفي هذا السياق احتفل المسؤولون في واشنطن وبغداد -خلال فصل الربيع الماضي- بإقرار البرلمان العراقي لتشريع ينظم اختصاصات مجالس المحافظات ويحدد سلطاتها، وهو الاتفاق الذي اعتبره السفير الأميركي لدى العراق ''رايان كروكر''، عند تمريره في 19 مارس الماضي ''خطوة مهمة إلى الأمام''، وبموجب هذا القانون لم يعد بمقدور الموظفين في الحكومة المركزية في بغداد بسط سيطرة عشوائية على المحافظات والتحكم في ميزانياتها العامة دون مراعاة رغبات الأهالي·
فمن الآن وصاعداً لن يلجأ قادة السنة -على سبيل المثال- إلى تجفيف المستنقعات التي يقطن الشيعة بجانبها دون موافقة أهلها، كما لن يتمكن رجال الميليشيات الشيعية في الوزارات المختلفة من ممارسة أعمال انتقامية ضد السنة في محافظة الأنبار وغيرها، وبظهور شخصيات سياسية محلية مسؤولة أمام المواطنين العراقيين، ستختفي مشاعر الشك والريبة التي يكنها حالياً المواطنون تجاه السياسيين المتحصنين خلف أسوار المنطقة الخضراء، لكن كل ذلك يعتمد على طبيعة القانون الانتخابي الذي سيقع عليه اختيار العراقيين، إذ يرجع النقاش حول هذا الأمر إلى العام 2004 أثناء عملية نقل السيادة إلى العراقيين والطريقة التي اتفق عليها المسؤولون الأميركيون ونظراؤهم العراقيون، فضلا عن الأمم المتحدة على انتخاب السياسيين العراقيين·
ففي ذلك الوقت سعى المواطنون العاديون والسياسيون من ذوي التوجهات الليبرالية إلى انتخابات تقوم على التمثيل المباشر، حيث يرشح السياسيون أنفسهم في مناطق محددة، وبمقتضى هذا القانون الانتخابي ستحظى كل بلدة ومدينة ومنطقة عراقية بتمثيل في البرلمان العراقي، إلا أن تفرق شرائح عديدة من المجتمع في مناطق شاسعة بسبب سياسة التطهير العرقي التي اتبعها نظام صدام حسين، والحرص على تسهيل عملية الانتخابات من الناحية الإدارية دفع المسؤولين العراقيين إلى تبني نظام اللائحة الحزبية في الانتخابات، والحقيقة أن ذلك الخيار كان حاسماً في السياسة العراقية، إذ بدلا من التصويت على الأفراد، صوت العراقيون على اللائحة التي يختارها الحزب، وبالتالي أصبح العراقي يدلي بصوته لصالح هذا الحزب، أو ذاك وليس للأفراد، وبموجب هذا النظام الانتخابي يدين السياسيون، الذين يتطلعون إلى دخول البرلمان، إلى قادة الحزب الذين يضعون اللائحة ويرتبون أسماءها، وليس إلى الناخبين العاديين·
فكما هو معروف في نظام اللائحة الانتخابي، تحظى الأسماء التي تحتل صدارة القائمة بحظ أوفر في الوصول إلى النصاب، والمحدد في الحالة العراقية بـ31 ألف صوت، وبالتالي الفوز بمقعد برلماني، والمشكلة في هذا النظام أنه بدلا من تشجيع السياسيين العراقيين على الاهتمام بأمور تهم المواطنين مثل الأمن والخدمات والتعليم، يشجع على الانخراط في سياسات طائفية متطرفة، وتبني خطاب عرقي قومي متشدد لإثبات الولاء للحزب وإظهار مدى التمسك بأيديولوجيته·
وبالنسبة للسياسيين الذين يدعون إلى التسامح ويركزون على مشاغل المواطنين وجدوا أنفسهم في ذيل القائمة، وعلى سبيل المثال يفضل زعيم التحالف العراقي الموحد -عبد العزيز الحكيم'' وضع السياسيين الذين يلتزمون حرفياً بالخط المتشدد للحزب على رأس اللائحة، متقدمين بذلك على نظرائهم المعتدلين الذين يدافعون عن المصالحة الوطنية، كما أن الزعيم الكردي ''مسعود برزاني'' لم يسمح بظهور أي سياسي من كركوك يركز على التنمية الاقتصادية بدل المواقف المتصلبة الداعية إلى الاستقلال، لكن إصلاح النظام الانتخابي على المستوى الوطني سيكون صعباً للغاية، إذ لن نجد أحداً في البرلمان، المستفيد من النظام الحالي، مستعدا لتغييره واستبداله بنظام آخر، والحقيقة أنه إذا استمر العمل بنظام اللائحة الحزبية لن يضطر السياسيون، الذين كل مؤهلاتهم هو الولاء للحزب، مناقشة احتياجات المواطنين مادام الحزب يضمن ترشحهم مرة أخرى·
لذا تشكل الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات الفرصة الوحيدة أمام العراقيين لمشاركة سياسية حقيقية وتمثيل ديمقراطي فعال، لا سيما بعدما أظهر استطلاع للرأي قبل العام 2005 أن 3 بالمائة من العراقيين فقط أبدوا رأياً إيجابياً في الأحزاب السياسية، ويرجع السبب في ذلك إلى مظاهر الفساد والشطط في استخدام السلطة، فضلا عن تورط ميليشيات الأحزاب في أعمال العنف الطائفي، وهو ما دفع العديد من الشيعة إلى الإعراب عن نيتهم في عدم التصويت على قائمة ذات طبيعة طائفية، أما في محافظة الأنبار فستسمح الانتخابات المحلية بتعزيز المكاسب التي حققتها مجالس الصحوة السنية ضد ''القاعدة'' وتكريس موقعهم في الخريطة السياسية العراقية، سواء أراد الشيعة ذلك، أم لم يريدوا·
والواقع أن الوقت قد حان للعراقيين كي يصوتوا على الأفراد الذين يلمسون فيهم القدرة والنزاهة لإدارة المجالس المحلية للمحافظات، دون أن يعني ذلك التخلي عن الأحزاب، أو التمثيل النسبي، وفي هذا الإطار يمكن للمشرعين العراقيين اعتماد نظام اللائحة المفتوحة الذي يتيح للمواطنين التصويت على أشخاص يعرفونهم، وربما الأفضل من ذلك تبني نظام مركب، كما هو الحال في ألمانيا، يجمع بين نظام اللائحة والقدرة على انتخاب الأفراد·
سكوت كاربنتر
باحث في معهد واشنطن
مايكل روبين
أكاديمي في معهد ''أميركان إنتربرايز''
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''