إذا كانت مصر قد نجحت فعلًا في إحداث ثورتها من خلال "الفيسبوك"، فإنها أمام استحقاق كبير سيحدد علاقتها بالديمقراطية المنشودة، وهي علاقة على درجة كبيرة من التعقيد والصعوبة، فبحلول السبت المقبل سيتوجه حوالي 40 مليون مصري، أي ما يقارب نصف سكان البلد، إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على التعديلات الجديدة التي أُدخلت على الدستور المعلق. لكن مع تحديد موعد الاستفتاء بعد خمسة أسابيع فقط على الإطاحة بالنظام القديم عبر العديد من السياسيين والخبراء عن قلقهم البالغ من عدم استعداد المواطنين لاستيعاب التعديلات الدستورية وإدراك كنهها وأبعادها الإدراك الجيد. وقد زادت حدة الجدل وتصاعدت الشكوك حول نتيجة الاستفتاء المرتقب بعدما دعا بعض رموز المعارضة السابقين لنظام مبارك إلى التصويت بـ"لا" على الدستور في مؤشر واضح على استيائهم من الطريقة المتعجلة، التي تمت بها عملية تعديل الدستور، التي تعتبر المدخل الرئيس لتكريس الديمقراطية في بلد خرج لتوه من نظام مركزي احتكر السلطة لسنوات طويلة. ويرى المنتقدون والمعارضون للاستفتاء في هذه المرحلة أن الذهاب لصناديق الاقتراع لا يصب في مصلحة الديمقراطية، ولا يخدم أهدافها لما قد يصاحب الاستفتاء المتعجل من اختلالات مثل تزوير الأصوات وترويع الناخبين بسبب غياب قوات الأمن وعدم قدرتها على مواجهة التهديدات التي قد تحيط بالعملية، لا سيما وأن فلول النظام السابق متمثلة في عناصر "الحزب الوطني الديمقراطي"، لم تختفِ بعد، ومازالت قادرة على تحريك آلتها والعبث بالاستفتاء أو بنتائجه، ويعبر عن هذا الرأي عمرو حمزاوي، المحلل السياسي والباحث السابق في معهد كارنيجي للسلام قائلًا: "إن الوقت ضيق للغاية، ولا يتيح تنظيم أول محك ديمقراطي في مصر بعد الثورة"، مضيفاً "إننا لم نرَ حتى التعديلات التي يراد التصويت عليها". ويعتقد حمزاوي وغيره أنه يتعين تأجيل عملية الاستفتاء لعدة أسابيع أخرى، فيما دعا آخرون لتأجيل أطول يتعدى مدة الأسابيع حتى يتسنى مراجعة تامة ومتأنية لوثيقة الحكم في مصر قبل عرضها على الاستفتاء وإخضاعها لتغييرات جوهرية تقطع مع التدرج في الإصلاح الذي تشهده البلاد حالياً. ووفقاً للجدول الزمني الذي حدده المجلس العسكري الأعلى الحاكم في مصر ستعقب عملية الاستفتاء، التي ستتم يوم السبت المقبل انتخابات برلمانية ورئاسية بحيث لن يفصل بينهما سوى فترة زمنية بسيطة، لكن رغم الشكوك والتحفظات التي يبديها البعض يمثل الاستفتاء المرتقب يوم السبت المقبل، والذي من المتوقع أن يشرف عليه، حسب مسؤولين في الإعلام الرسمي، حوالي 16 ألف عنصر من القضاء بمساعدة الشرطة، أول استحقاق انتخابي تشهده مصر في عقود دون تدخل الحزب السابق وتزويره للنتائج، وتحول مجمل الاستحقاق إلى مهزلة. ومن بين أهم المواد المعدلة في الدستور المصري اقتراحات ستحد من الصلاحيات المتضخمة للسلطة التنفيذية المنفلتة من العقال، التي مارسها مبارك لأكثر من ثلاثين عاماً، بحيث سيتم تحديد الفترات الرئاسية في ولايتين من أربع سنوات، كما سيُسمح بتشكيل الأحزاب السياسية وتسهيل الإجراءات المتعلقة بذلك، بالإضافة إلى تخويل السلطتين التشريعية والقضائية بصلاحيات الرقابة على إعلان حالة الطوارئ. ورغم ما يبدو على التعديلات المقترحة من أنها تستجيب لمطالب المحتجين، فإنها لم تتضمن التأييد لجميع الإجراءات، فالتعديلات الدستورية الجديدة سيتم التصويت عليها جملة إما بالموافقة أو الرفض، وهو ما يعارضه البعض الذين يفضلون التصويت على كل تعديل على حدة، وفي هذا الإطار دعا مجموعة من المعارضين إلى التصويت بـ "لا" على التعديلات في إشارة إلى رغبتهم في إلغاء الدستور القديم كلية وصياغة آخر جديد تماماً. وقد أوضحت هذا الرأي "غادة الشهبندر"، العضو في الجمعية المصرية لحقوق الإنسان بقولها "إن الدستور الحالي كما نعرفه مليء بالاختلالات، ونحن نعتبره فاقداً للشرعية، لذا لا فائدة من تعديله، لأنه يحتاج إلى إعادة كتابة من جديد". ومع أن الجمعية أعلنت معارضتها للتعديلات وبأنها ستراقب عملية الاستفتاء عن كثب إلا أنها امتنعت عن الدعوة إلى المقاطعة، ولا يقتصر الرفض على الحقوقيين، بل تعداه إلى ائتلاف من ست مجموعات شبابية تراقب الوضع في مصر، وتدعو إلى دستور جديد كلياً بعدما حثت الناخبين على رفض التعديلات في الاستفتاء. وعن هذا الطرح يقول "شادي الغزالي حرب"، أحد أعضاء الائتلاف "المشكلة مع الدستور الحالي أنه حتى في ظل التعديلات الجزئية مازالت هناك خمسون مادة تعطي صلاحيات واسعة للرئيس لم يطلها التغيير"، وثمة مرشحان للرئاسة قد حثا أيضاً الناخبين على رفض التعديلات وإسقاطها، وهما محمد البرادعي، وعمرو موسى، فيما ناشد حزب "الوفد" المواطنين بمقاطعة الاستفتاء، هذا في الوقت الذي طالبت فيه أكثر مجموعتين تنظيماً في الساحة المصرية، وهما جماعة "الإخوان المسلمين" وبقايا الحزب الوطني الديمقراطي، بالمصادقة على التعديلات والتصويت عليها بـ "نعم"، إذ يبدو أن الانتهاء من مرحلة إقرار الدستور سيستفيد منه بالدرجة الأولى الطرفان سياسياً باعتبارهما الأوفر حظاً في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، كما أن الطريقة التي شُكلت بها اللجنة المسؤولة عن التعديلات الدستورية التي عينها المجلس العسكري لاقت معارضة من مراقبين مثل عمرو حمزاوي، الذي اعتبر العملية غير ديمقراطية منذ البداية. ومن ناحيته لم يوضح الجيش سبب هذا التسرع في تعديل الدستور واكتفى بإصدار بيانات على صفحته على "الفيسبوك"، وعندما سُئل دبلوماسي غربي مقيم في القاهرة طلب عدم ذكر اسمه عن المغزى وراء الاستعجال الكبير في بدء مرحلة جديدة في مصر قال إن المؤسسة العسكرية تريد تسليم السلطة في أقرب فرصة إلى المدنيين: "إنهم لا يريدون حكم مصر ويعتبرون ذلك عبئاً ثقيلاً يستعجلون التخلص منه". ريتشارد ليبي - القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»