هدى حسين: المسلسلات تبالغ في تصوير مشاكل مجتمعات الخليج
مازالت الفنانة هدى حسين تعيش حلم طفولتها كسندريلا الخليج العربي، فهي الغائبة الحاضرة التي طالما سكنت ذاكرة و قلوب الملايين، وهي تمنحهم لحظات الفرح والمتعة، سواءً على خشبة المسرح أو من خلال الشاشة الصغيرة، نجمة كويتية احترمت فنها وجمهورها فانعكس ذلك على سلوكها اليومي وطبع تعاملها الراقي مع الآخرين، ميزت نفسها بصدق الأداء وعفوية المشاعر فاستحقت محبة وتقدير الجماهير.
من منبر قصر الثقافة أطلت نجمة الخليج لتعلن عن اتفاقية وقعتها مع مجموعة مسارح الشارقة لتقديم عروض مسرحيتها الأخيرة الساحرة وحنين «والتنين» المخصصة للأطفال وذلك يومي 20 و21 من مايو الجاري ، لتكون باكورة تعاونها معهم ولتبشر بقدوم مواسم عربية وخليجية قادمة من الفن، الثقافة، والترفيه، حيث يعاد صياغة مفهوم مسرح الطفل من جديد و ليفعّل دوره الريادي في تنمية القدرات الإبداعية.
مسرح الطفل
وبابتسامة هادئة وكلمات معبرة شكرت النجمة المحبوبة «هدى حسين»، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الداعم لمسيرة الحركة الفنية والمسرحية في الوطن العربي، وأثنت على التطور الثقافي والفني الذي تشهده الإمارات عموماً وعلى كافة الصعد، كما أشارت لتجربتها السابقة في المشاركة في «مهرجان الإمارات لمسرح الطفل»، لتقول :» إن مشاركتي في هذه الفعالية الرائعة لمسرح الطفل لفتت نظري لمدى الجدية التي يتعامل بها كل القائمين على هذا القطاع في دولة الإمارات، ودهشت لمستوى بعض الأعمال التي عرضت في المهرجان من ناحية، الإخراج، الديكور، تصميم الملابس، أداء بعض الممثلين الصغار، والتقنيات الحديثة في المسرح الإماراتي، كما تأثرت بالأسلوب النقدي المدروس والموضوعي لهذه الأعمال الفنية، ومع أن هنالك بعض السلبيات في نواح معينة، ولكن بالإجمال أعجبتني التجربة وهي تبشر وتؤسس لقيام مسرح جيد للطفل العربي هنا».
أسرة فنية
ولأنها فنانة حساسة متمكنة من أدواتها الفنية، فهي تملك فكراً مثقفاً، وتوجهاً خاصاً يدفعها على الدوام لاختيارات صائبة وأدوار متميزة تجعلها في الطليعة، وتفردها عن بنات جيلها من الفنانات الخليجيات، فمنذ بداياتها وهي لم تتجاوز مرحلة الطفولة، استطاعت « هدى حسين» أن تحفر اسمها في ذاكرة المشاهد الخليجي، وأن تكّون قاعدة جماهيرية من المعجبين، عبر كم كبير من الأعمال الهادفة والممتعة التي أطّرتها كفنانة شاملة في التمثيل والغناء والاستعراض، وهي تعزو هذا الأمر لكونها تنتمي لأسرة فنية كبيرة، وتقول:» قد يعود الفضل في تكوين شخصيتي الانتقائية التي وجهت مسيرتي ونوعية اختياراتي، لكوني تربيت في كنف عائلة فنية ومحيط أهّلني لأنهل الإبداع والإدراك الفني في سنوات مبكرة من طفولتي، فأخواتي كلهن يعملن في هذا المجال، فنجاة كاتبة ومخرجة مسرحية، و سعاد إعلامية معروفة، وسحر كانت ممثلة ومذيعة، وهكذا هم معظم أسرتي».
دراما الطفل
والمتتبع لمسيرة الفنانة الكويتية «هدى» على مدى السنوات، لن ينسى حتماً نجاحاتها في أدوار مختلفة اقترنت بمسيرتها الفنية الطويلة، كأدائها لدور الحفيدة الصغيرة في مسلسل « حبابة» مع الراحلة مريم الغضبان، أو الابنة المراهقة في « إلى أبي وأمي مع التحية» مع حياة الفهد وعبد العزيز النفيسي، وعدد آخر من الأعمال الجادة التي قدمتها في الكويت، حيث كان هنالك توجه في الدراما الخليجية آنذاك يدعم الجوانب التربوية والأسرية التي ترشد المجتمع، وهو الأمر المفقود حالياً على الرغم من كثرة القنوات الفضائية، وهي تشير لهذا التحول، فتقول:» للأسف لم يعد هناك جهات عربية تهتم بدراما الطفل، ولا يوجد من يدعم الأعمال الموجهة للأسرة، وكأن القائمين على الفضائيات لا يملكون ميزانيات لهذا النوع من الفن الهادف فهو»رفاهية وترف « في نظرهم ، وقد أتفهم موقف القنوات التجارية الخاصة وحسابات الربح والخسارة، ولكني حتماً لا أستوعب دور القنوات المملوكة للدول، لما تحجب عن إنتاج أعمال درامية للطفل والعائلة؟!، لما تهمل أهمية وسمو الرسالة الفنية والإعلامية الهادفة في ترشيد المجتمع؟!».
جرأة وإثارة
وحول ظاهرة كثرة إنتاج المسلسلات الخليجية التي تتسم بالجرأة، والإثارة، والغرابة الشديدة عن مجتمعاتنا وما تربينا عليه من القيم والثوابت الدينية والأخلاقية، وحيث تركز هذه النوعية من الأعمال على عرض أشكال غريبة من الشذوذ، والانحطاط السلوكي، والتفكك الأسري، بحجة الحرية الفكرية، والديمقراطية الإعلامية، والتحرر من سيطرة الرقابة، وما إلى ذلك من المبررات والحجج، ترد «هدى»، وتقول:» لا شك أننا كمجتمع خليجي، نعاني من بعض المشكلات الاجتماعية التي أفرزتها أحداث وظروف وطبيعة الانفتاح الواسع على الغرب، ولكن تبقى مشاكلنا محدودة ومعدودة نوعاً ما، وهي ليست بالحجم المضخم أو الشكل المشوّه الذي تطرحه تلك الأعمال، للأسف يجنح البعض للطرح الفج والإثارة الرخيصة والابتذال في الدراما الخليجية، وينسى بل ويتناسى أن التلفزيون أداة إعلامية خطيرة، وأن المشاهد له أسرة مكونّة من أب وأم وأطفال، كما أني لا أفهم موقف بعض القنوات الفضائية من شراء وعرض هذه النوعية من المسلسلات، خاصة أنها تافهة ومحرجة و لا تحمل أي رسالة أو معنى يذكر».
ولأن الفن رسالة والمسرح حياة، ولا يمكن فصل السلوك الإنساني اليومي عن الممارسة الإبداعية والأداء الفني الصادق، نجد أن «هدى» كفنانة عبرت في كل أدوارها عن شغف كبير، وعفوية مطلقة، ومحاكاة واقعية للمرأة العربية، وما تمر به من ضغوط، ومعاناة، وقهر يمارس عليها من محيطها العام، فعكست من خلال أعمالها الدرامية أنماطاً مختلفة لشخصيات نسائية مورس عليها شتى أنواع الظلم والحرمان، كدورها المؤثر في مسلسل « عيون الحب» حين تقمصت دور الزوجة والأم المظلومة المغلوبة على أمرها، ودورها في « سارة» التي عانت الغدر والخيانة من أقرب الناس لها، وهي تفسر، هذا الأمر، فتقول:» المرأة مخلوق ضعيف، وهي مقهورة ومهضومة الحقوق، وكل واحدة منا تعاني بصورة أو بأخرى، وأنا بأعمالي أحاول أن أترجم هذا الواقع المرير لأبيّن حجم المعاناة والضغوط العاطفية، المادية، والمجتمعية التي تمارس ضد النساء، ونحمد الله أن في السنوات الأخيرة أصبحنا نجد مؤلفات خليجيات يركزن على الكتابة للمرأة ويظهرن جوانب مختلفة من شخصيتها ومشكلاتها، كالكاتبة وداد الكواري و حياة الفهد، وهبة حمادة، ونجاة حسين».
أناقة وجمال
في المحصلة فإن كل عمل تقوم به هذه الفنانة القديرة سواء في مسرح الطفل أو في التلفزيون يصبح علامة فارقة، وشكل مشرّف لأداء احترافي وفني عالي المستوى، مما يؤكد على أن الموهبة الحقيقية تلازم الفنان الملتزم مهما حدث، ولعل في هذا إشارة للجيل الجديد من الفنانات الخليجيات، خاصة تلك اللواتي يركزن على المظهر الخارجي والمكياج والتسريحة على حساب عناصر الشخصية ومفاتيحها، وتؤكد «هدى» على هذا المعنى أكثر، وتقول:» الأناقة والجمال شيء مرغوب على الشاشة، ولكن دون مبالغة وإسفاف، وصدقية الفنانة وذكاؤها تتضح من أسلوب تناولها للدور من مكياج، وملابس ومظهر عام، وما نراه حالياً من أشكال استعراضية وأزياء براقة في المسلسلات الخليجية أمراً مضحكاً ومستهجناً، ولكن هنالك فئة جدية من الفنانات تهتم بالشخصية والأداء أكثر من المظاهر الفارغة ومنها الفنانة مرام، وهند البلوشي، وملاك».
واختتمت السندريلا حوارها مع «الاتحاد»، بوعد لأداء مشوق آخر في دورها المميز، في المسلسل الرمضاني الجديد « الدكتورة أميمة « مع نخبة مختارة من فنانات الخليج.
المصدر: الشارقة