العراق... منعطف جديد في أزمة الانتخابات
أعلنت السلطات العراقية يوم الخميس أن إعادة فرز الأصوات في الانتخابات العراقية التي طالب بها رئيس الوزراء نوري المالكي ستستغرق ما قد يصل إلى أسبوعين. وفي غضون ذلك، تشكل إثارة قضية التعذيب التي تكشفت مؤخراً سلاحاً جديداً في أيدي خصوم المالكي السياسيين، ويمكن أن تُضعف أكثر فرصه في ترؤس حكومة ائتلافية. فقد وجد تحقيق لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، نشر في 27 أبريل، أن سجناء اعتُقلوا في قاعدة تابعة لمكتب أمني يتبع لحكومة المالكي قد تعرضوا لتعذيب ممنهج على أيدي المحققين في المنشأة السرية، إضافة إلى تسجيل حالات اغتصاب. وكانت المنظمة قد أجرت استجوابات مع العشرات من السجناء في اليوم السابق وخلصت إلى أنهم تعرضوا للتعذيب في مسعى لانتزاع اعترافات منهم.
وفي رد فعله، أمر المالكي بنقل السجناء إلى سجن عادي وأوعز بفتح تحقيق في الموضوع؛ ولكنه استخف في تصريحات للصحافة بمزاعم التعذيب قائلا إن خصومه السياسيين وبلداناً أخرى تقف وراءها، وصرح لتلفزيون "العراقية" الذي تديره الدولة: "هذه أكاذيب -إنها حملة تشهير تقف وراءها بعض السفارات ووسائل الإعلام الأجنبية... في العراق لا توجد سجون سرية مطلقاً".والواقع، يقول المالكي، هو أن العشرات من السجناء الذين استجوبتهم "هيومان رايتس ووتش" إنما كانوا يدَّعون ذلك، مستطرداً: "لقد تعمدوا خلق ندوب على أجسادهم باستعمال أعواد الثقاب على بعض الأجزاء من أجسامهم".
أما منظمة "هيومان رايتس ووتش" فقد دعت المالكي إلى التحقيق بشكل جدي في تلك التجاوزات وإحالة المسؤولين عنها إلى العدالة. غير أن وزارة حقوق الإنسان العراقية، وهي الأولى التي كشفت عن وجود معتقلات غير قانونية، أُرغمت على تعليق تحقيقاتها، مثلما يقول مسؤول غربي مطلع على الموضوع. كما أن متحدثاً باسم الوزارة أوضح يوم الأربعاء الماضي أنه لم يعد مسموحاً لهم بالتعليق على المعتقلات نظراً للحساسية السياسية التي يكتسيها الموضوع. قال هذا قبل أن يقطع الخط الهاتفي بشكل مفاجئ.
غير أن سمير المسقطي، الباحث في منظمة "هيومان رايتس ووتش" في بغداد، والذي تولى استجواب العديد من السجناء قال: "إنه أمر سخيف، لا يمكن للمرء أن ينكر حدوث تلك التجاوزات... إن أي شخص يريد زيارة هذه المنشأة لرؤية جروح المعتقلين واستجوابهم سيخلص إلى تلك النتيجة التي خلصنا إليها: إن التعذيب كان روتينيّاً وممنهجاً"، مضيفاً "إننا في حاجة فعلا إلى أن يقولوا الحقيقة ويقوموا بالتحقيق في الموضوع بشكل جدي".
يذكر أن المعتقلات غير المعلنة كانت خاضعة لـ"قيادة العمليات" في بغداد، التي تعد واحدة من عدد من القيادات الأمنية التي أنشأتها حكومة المالكي وتخضع لها بشكل مباشر. وحسب المسقطي، فلا أحد من المعتقلين الذين جرى استجوابهم أشار إلى حضور أميركيين خلال عمليات التعذيب.
يذكر هنا أن السفارة الأميركية والجيش الأميركي، اللذين يقولان إنهما ركزا على ترسيخ حكم القانون في العراق، يلتزمان الصمت بخصوص هذا الموضوع. وبالمقابل، انتقدت جماعة الصدر ادعاءات التعذيب وقال المسؤول في الحركة حازم الأعرجي لتلفزيون "الشرقية": "ما الذي جلبته لنا الحكومة خلال السنوات الأربع الأخيرة غير السجون والقبور الجديدة؟".
جدير بالذكر أن كتلة المالكي ائتلاف "دولة القانون" حصلت في انتخابات 7 مارس على 89 مقعداً في البرلمان الذي يبلغ عدد مقاعده 325 مقعداً، واحتلت المرتبة الثانية بعد كتلة الزعيم السياسي الشيعي العلماني إياد علاوي بفارق مقعدين.
غير أن لجنة طعون وافقت الأسبوع الماضي على الطعن الذي تقدم به المالكي بخصوص بعض الأصوات في بغداد -التي تشكل أكثر من 20 في المئة من المجموع الوطني- غير أن الحُكم، الذي جاء بعد تصريحات لمسؤولين أمميين وأميركيين تفيد بأن الانتخابات كانت خالية من الغش على ما يبدو، أثار اتهامات بممارسة ضغط سياسي على القضاء.
وفي هذا الإطار، قال السفير الأميركي كريستوفر هيل يوم الاثنين الماضي إن الجهاز القضائي العراقي يخضع الآن لـ"اختبار" يعكسه حجم الضغط السياسي، مشيراً إلى أنه ربما يكون بصدد الرسوب في هذا الاختبار.
وتقول نسخة من الحكم الذي أصدرته "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" إن اللجنة المؤلفة من ثلاثة أعضاء قررت الأمر بإعادة فرز للأصوات بعد تصريحات نقلها رئيس الوزراء عن 10 موظفين من المفوضية تقول إنهم شاهدوا عدداً من الانتهاكات التي لم يحقق فيها رؤساؤهم. كما قالت اللجنة أيضاً إنها تعتقد أن حجم والطابع المعقد للانتخابات يساهمان في إمكانية حدوث أخطاء -وهو عامل آخر ساهم في اتخاذ هذا القرار.
وفي هذه الأثناء، طالب علاوي، الذي تتقدم كتلته "القائمة العراقية" في نتائج الانتخابات، يوم الأربعاء الماضي، بانتخابات جديدة وحكومة تصريف أعمال في حال إقصاء مرشحين فائزين حيث قال لتلفزيون "الشرقية": "إننا سنطالب بتشكيل حكومة مؤقتة". يذكر أن الهيئة نفسها أقصت مرشحاً سنيّاً فائزاً من "القائمة العراقية" لعلاقاته المزعومة مع "حزب البعث".
وفي تعليقه على هذا الموضوع، قال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للصحافيين إن عملية إعادة فرز الأصوات من غير المرجح أن تؤثر على التوزيع النهائي للمقاعد، ولكن إقصاء مرشحين فائزين من قبل لجنة الطعون نفسها قد يؤدي إلى ذلك، وعن هذا قال: "ليست عملية إعادة فرز الأصوات هي التي ستؤثر على نتائج الانتخابات، وإنما إقصاء مرشحين فازوا بمقاعد فعلاً. فكل فائز، في حال إقصائه، سيتم استبعاده، وكذلك الحال بالنسبة لكل الأصوات التي حصل عليها. وهذا سيكون له تأثير عميق على نتائج الانتخابات".
جين آراف - بغداد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»