د. هبة قطب: المرأة التي لا تشبع حاجتها للعاطفة قد تفتتن
العلاقات الزوجية وما يتخللها من تفاصيل يومية تؤثر سلبا وإيجابا على الأسرة وعلى استقرار الحياة بين الشريكين، أمور تحتمل الكثير من النقاش. وفي ظل تطورات العصر والحاجة دائما إلى مجاراتها مع الأخذ في الأولويات، يجد الكثير من الأزواج أنفسهم وسط دوامة ترتيب الحقوق والواجبات. من هنا وجبت الاستشارات التخصصية في هذا المجال من باب الإضاءة على شكل العلاقة التي يحوطها شيء من المعوقات تجنبا لأن تتحول إلى تراكمات. وهذا ما تدعو إليه الدكتورة هبة قطب أستاذة الطب الشرعي بكلية طب القصر العيني - جامعة القاهرة، والتي قدمت في أبوظبي الأسبوع الماضي ندوة عن بروتوكول المعاملة بين الزوجين. استعانت فيها بآيات من القرآن الكريم تشرح المكانة العالية التي وضع بها رب العالمين الزوجة وما هو مطلوب شرعا من الرجل لتقديرها وتكريمها. وتحدثت كذلك عن واجبات الزوجة تجاه زوجها وحقوقها كما كفلتها لها الشريعة الإسلامية، وبينت واجبات الزوج، والعلاقة القائمة بينهما على أساس المودة والرحمة.
تقول د. قطب لـ“الاتحاد”: “أنا لا أفتي بالدين وإنما أستند فقط إلى التفسير اللفظي للآيات القرآنية المرتبطة مباشرة بالعلاقة بين الزوجين، ولا أغوص أبدا في الفقه لأنه ليس من اختصاصي”. ومما تركز عليه ضرورة التسامح في صغائر الأمور والذي يأتي بالدرجة الأولى من المرأة كونها الطرف الأكثر احتواء، شرط ألا يتحول تفهمها إلى استسلام. وتعتبر أن التغاضي عن السلوكيات الخطيرة والتعامل معها ببرود قد يقضي على البيت والأسرة. وهي تقيم دورات بمناهج مختلفة موجهة لعدة شرائح من الناس: منهج للمتزوجين لتحسين العلاقة الجنسية، وآخر للمقبلين على الزواج لبداية العلاقة على أسس علمية صحيحة وسليمة، وكذلك للمراهقين والشباب لوقايتهم شر الثقافة الجنسية المغلوطة. كما تقدم منهجا خاصا بالمتخصصين في العمل الأسري والاجتماعي.
فضل وليس فرضاً
الندوة التي عقدت في نادي ضباط القوات المسلحة، كانت مخصصة للنساء وقد حضرتها 120 امرأة تفاعلن بشكل حيوي مع نقاط البحث. وعلى مدى 4 ساعات طرحت الكثير من الأسئلة الحساسة التي تراود كل متزوجة تعاني من ركود في العلاقة مع زوجها سواء كان السبب من جهتها أو العكس. وتركزت المحاور حول بروتوكول الحياة اليومية بين الزوجين، وبروتوكول العلاقات الحميمة كما تناولها القرآن الكريم والسنة المشرفة. ومن الأمور التي نالت استحسانا عاما واستغرقت حيزا كبيرا من الجلسة، ما أتت د. قطب على ذكره حين أوردت: أن “القيام بالأعمال المنزلية ليس واجبا على المرأة ولا فرضا عليها، ولكنه طبقا للشريعة فضل وتفضل منها، وأن من واجبات الزوج أن يستأجر من يعينها حسب أوضاعه المالية”. أما الواجب الرئيسي للزوجة في بيتها، فهو تربية الأبناء ورعايتهم بمشاركة الزوج، كما أنها تتحمل عبء تجهيز النشء للمجتمع.
ومما جاء في الندوة أنه على من تتزوج أن تعرف قيمة زوجها، وأن تعامله كما لو أنه من نفسها. وتستشهد المحاضرة بآيات من القرآن للتأكيد على موضوعها (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها). “وفي ذلك دلالة وتوكيد على الحميمية والانتماء في العلاقة الزوجية”. وأن الغرض من العلاقة هو واحد فقط، ليس لفقره وإنما لشموليته، وأن المكانة كلها من أجل السكن النفسي بمعنى الاستقرار والأمان. وألا تعيش الزوجة خائفة من أن تفصح عما يراودها للزوج، بل على العكس أن تسكن إليه وتسر له براحة وطمأنينة. أما السكن الجسدي فتطيل الدكتورة بشرحه قائلة: “المرأة أرقى من أن تكلف بأمور البيت بشكل قمعي، وإنما تحتاج إلى الكلمة الطيبة. ووظيفتها أكبر من ذلك بكثير”. وهي طاقة كبيرة ويجب ألا تستهلك بأمور قاسية ترهقها. وهنا تشير إلى أنه وبإجماع من الفقهاء “يجب على الزوج أن يوفر لها من يساعدها بحسب مقدرته”. وفي الحديث عن السكن العاطفي، تشبه المحاضرة المرأة بكوب الماء، “فهي تحتاج دائما لأن تكون مملوءة بالعاطفة، وإذا لم تلق من يملي لها هذا الجانب قد تفتتن لأن حجم الاحتياج العاطفي كبير لديها”.
مودة ورحمة
وتنتقل د. قطب إلى شرح المعنى اللفظي للآية (وجعلنا بينكم مودة ورحمة)، وتذكر أن المودة أشمل من الحب ويمكن تلخيصها بالكلام الجميل بما فيه من حنان وتقدير واحترام يكنه الزوجان لبعضهما. “فكما تحتاج المرأة إلى العاطفة، فإن الرجل يتوق إلى الدلع والاهتمام به”. وهنا تؤكد على الدور البارز الذي تلعبه الزوجة، والتي بفطرتها الأنثوية جبلت على العطاء والمبادرة والاحتواء. وبمعنى آخر، فإن المرأة لو ركزت جيدا في الاهتمام بمشاعر زوجها وملامسة أفكاره واستيعاب مشاكله وهمومه، فهي سوف تشعر بالرضا عن نفسها ولن يعتريها أدنى شك بأنها العنصر الأكثر أمانا له. أما الرحمة، فتشرحها لفظيا بعدم تكليف أحد الزوجين بما لا يطيقه وإنما مراعاة قدرته الجسدية والنفسية والفكرية، وكذلك المالية.
وردا على أسئلة الحضور تطرقت د. قطب إلى تأثير المخدرات والخمور والمنشطات على القدرة الجنسية، مستشهدة بأبحاث شاركت فيها. وتحدثت بوضوح عن الانحرافات النفسية والسلوكية والأمراض التناسلية التي غالبا تكون سببا رئيسيا لفشل الكثير من المؤسسات الزوجية. وتطرقت إلى العادات والتقاليد التي رسخت على مر السنين، “وأصبحت جزءا من المعتقدات وتم إلصاقها بالدين، بينما أهمل المجتمع القواعد الدينية الأساسية التي جاءت في الكتاب والسنة، واستبدلها بأفكار تحولت إلى عرف”. الأمر الذي يتسبب بوجود مشكلات كثيرة ونشوب خلافات مستعصية، وارتفاع نسب الطلاق، ولاسيما بين المتزوجين حديثا.
حال الخنوع
على هامش الندوة، تحدثت د. قطب لـ”دنيا” عن العلاقات الجنسية السوية وغير السوية وتأثير التثقيف الجنسي في إنجاح العلاقة الزوجية. ومن منطلق شخصيتها القوية التي تبحث دائما عن إثبات النفس، تشدد على جانب الجرأة لدى المرأة وتنتقد حالة الخنوع التي تراها في عيون النساء غير القادرات على اتخاذ القرارات الحاسمة في الحياة. “المرأة الضعيفة هي المسؤولة عن معظم المعوقات في حياتها الزوجية، لأنها ساهمت عن جهل بتكريس مبدأ الاستهتار بها وبمشاعرها وحقوقها”. وتقول مستطردة إن على الزوجة ألا تستخف بمكانتها التي وهبها إياها رب العالمين، وألا تتعامل مع نفسها كونها الحلقة الأضعف. “فمن حقها أن تطلب زوجها حينما تحتاجه جنسيا وألا تسمح لحيائها أن يغلب على حاجتها”.(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنيّ شئتم وقدموا لأنفسكم). وتتوجه إلى المتزوجين بخلطة سحرية لطرد الروتين، وهي التنويع في شكل العلاقة وتغيير الأماكن من وقت لآخر. “فالنفس البشرية ملولة وترغب في التنويع، فليكن ذلك بالحلال”.
الجنس في الإسلام
حصلت قطب على منحة للدراسة الجامعية في فرنسا تمنح للطلبة المتفوقين في المدارس الفرنسية في العالم، لكنها فضلت دراسة الطب في جامعة القاهرة لتتمكن من ممارسة المهنة في مصر. وهي حاصلة على دكتوراه في الطب الشرعي، حيث قدمت رسالتها بعنوان “الاعتداءات الجنسية وتبعاتها الصحية”، وكذلك دكتوراه في الطب الجنسي من الأكاديمية الأميركية للطب الجنسي بولاية فلوريدا الأميركية، وكان عنوان الرسالة “الجنس في الإسلام”. وتعمل حاليا أستاذة لمادة الطب الشرعي وعلاج السموم بجامعة القاهرة. إلى ذلك، تهتم في الكتابة ولها كتاب في تخصص الطب الشرعي يستفيد منه طلبة كلية الطب في دراستهم، و7 كتب أخرى في تخصص الطب الجنسي ما بين كتب توعوية وأسئلة وأجوبة. وهي لا تكتفي بممارسة مهنتها وحسب، وإنما تسعى دائما إلى المشاركة في الأنشطة التطوعية والخيرية. ومن بين المهام التي تسعد بها عملها كمستشارة لمكتب الأمم المتحدة unfpa بالقاهرة فيما يتعلق بالثقافة الجنسية للشباب والمقبلين على الزواج، ومستشارة لموقع “إسلام أون لاين” و”منتديات سوق المتعة” فيما يتعلق بالاستشارات الجنسية. كما أنها وضعت منهج الثقافة الجنسية لمؤسسة “كرسي النور” الكويتية.
المصدر: أبوظبي