بلغ غضب المسؤولين المكسيكيين من تعامل واشنطن مع بلادهم وكأنها دولة متخلفة بحاجة إلى إرشاد الولايات المتحدة وتوجيهاتها حداً هذا الأسبوع، هدد فيه المسؤولون المكسيك برفض مساعدات مالية ضخمة اقترحتها عليهم ''واشنطن'' بهدف تخصيصها لإلحاق الهزيمة بتجار المخدرات، والسبب هو تقييد أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين في كل من مجلسي النواب والشيوخ، بفرضهم قيوداً على تلك المساعدات، بحيث توفر الشرطة والجيش المكسيكيان من الضمانات ما يكفي لعدم انتهاك قواتها لحقوق الإنسان، ولما كانت هذه الشروط تقضي أيضاً بحجز الولايات المتحدة لنسبة 25 في المائة من المساعدات المخصصة للمكسيك في حال عدم التزامها بشرط عدم انتهاك حقوق الإنسان، فقد جاءت ردة فعل الكثير من المسؤولين في حكومة الرئيس ''فيليب كالديرون'' غاضبة إلى حد وصفوا فيه قرار الكونجرس المذكور بأنه اعتداء مباشر على السيادة الوطنية لبلادهم، ومما قال به ''جوان كاميلو مورينو'' وزير الداخلية المكسيكي يوم الاثنين الماضي في هذا الصدد قوله: إن القوانين التي أجازها مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان، أقل ما توصف به في صيغتها الحالية، بأنها غير مقبولة بالنسبة لنا تماماً''· في اليوم التالي لهذا التصريح مباشرة، قال الرئيس ''كالديرون'': ''ستعمل حكومتي في كل الأوقات والظروف على الدفاع عن السيادة الوطنية للمكسيكيين ومصالحهم الوطنية، وسوف نتقيد أشد التقيد في أدائنا لمهامنا الحكومية وفقاً لنصوص الدستور، وهذا ما يدفعنا بالطبع إلى رفض أية شروط لا يمكن قبولها بأية حال''، وخلال الأسبوع الحالي توالت موجة من التصريحات الغاضبة التي أطلقها مشرعون ومدعون ومسؤولون مكسيكيون عن تطبيق القانون، اتفقت جميعها على وصف القوانين الأميركية المشار إليها بأنها مهينة لبلادهم، وتفوح منها رائحة صلف ''اليانكي'' وغطرسته، بل أشار بعض هؤلاء إلى أنه لم يعد للولايات المتحدة من صوت تعليه، فيما يتصل بحث الآخرين على احترام حقوق الإنسان، وهي التي تلطخ جبينها بفضيحة سجن ''جوانتانامو'' وغيرها من فضائح تعذيب المعتقلين، وفي الاتجاه نفسه أشار مسؤولون آخرون إلى أن المكسيك لم تطلب من واشنطن تقديم مساعدة أحادية الجانب لها، بقدر ما طلبت منها إقامة شراكة قائمة على المساواة والندية في مكافحة خطر الاتجار في المخدرات· وهناك من قال من الساسة المكسيك، إن ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة الأميركية، مصحوباً ببيع تجار الأسلحة الأميركيين أسلحتهم لتجار المخدرات المكسيك، يعدان من العوامل الرئيسية التي تساهم في رفع معدلات العنف والجريمة المنظمة في المكسيك، هذا هو الرأي الذي عبر عنه ''خافير جونزاليس جارزا'' -زعيم الحزب اليساري المعارض في مجلس النواب- بقوله: ''إن الشيء الوحيد الذي نريده من الولايات المتحدة الأميركية، هو أن توقف بيع أسلحتها لتجار المخدرات في بلادنا''· ورغم كل تلك التصريحات امتنع الكونجرس عن إجازة تحويل ما يتراوح بين 350 إلى 400 ألف دولار لصالح الخزانة العامة المكسيكية -بما في ذلك امتناعه عن تسليم عدد من الطائرات العمودية من طراز ''بلاك هوك'' لقوات الشرطة والجيش المكسيكي- ما لم يحصل الكونجرس على ضمانات كافية من قبل هذه القوات بعدم انتهاكها لحقوق الإنسان، وقد بني هذا الموقف التشريعي الأميركي، على السجل السابق في مجال انتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات المكسيكية المشار إليها· ولكن المعضلة هنا أن الدستور المكسيكي ينص على عدم محاكمة الجنود المكسيكيين في المحاكم المدنية، وفي المقابل يصر الكونجرس الأميركي على فرض شرط محاكمة الجنود المنتهكين للقانون في المحاكم المدنية والعسكرية معاً، ومن ناحيتهم شدد ناشطو حقوق الإنسان في كل من المكسيك وواشنطن على أن يستخدم الكونجرس الأميركي القوانين الصادرة عنه في تحميل المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في المكسيك وزر مسؤوليتهم وانتهاكاتهم، على غرار ما فعل بفرضه لشروط مماثلة لقاء المساعدات التي قدمت إلى كولومبيا وغيرها من الدول· كانت تقارير خاصة بسجل المكسيك في مجال حقوق الإنسان، قد أشارت إلى تعذيب الجنود المكسيكيين وقتلهم لخمسة أفراد جرى اعتقالهم تحفظاً في العام الماضي، وفقاً للمعلومات التي نشرتها منظمة العفو الدولية، وإلى جانب هؤلاء قتلت قوات الجيش المكسيكي طفلين وثلاثة أفراد راشدين آخرين في إحدى محطات التفتيش نتيجة الخطأ على حد التقارير الصحفية المنشورة· ومن الجانب الآخر انتقد الرئيس ''بوش'' التشريعات الصادرة عن الكونجرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، واصفاً إياها بالخطأ لكونها تفرض شروطاً خاصة باحترام حقوق الإنسان، في ظل ظروف تخوض فيها الحكومة المكسيكية حرب موت أو حياة مع تجار المخدرات في بلادها، لكن وتحت سطح موجة هذا الغضب البادي بين صفوف المسؤولين المكسيك، يكمن شعور تاريخي لدى هؤلاء مفاده أنه لا يحق لواشنطن أصلاً محاولة حمل المكسيك على احترام حقوق الإنسان، طالما أن أميركا هي الدولة التي غزت المكسيك في القرن التاسع عشر، ولهذا فهم يمتعضون من هذا الدرس ''البايخ'' الذي تحاول أن تقدمه لهم واشنطن فيما يتصل باحترام حقوق الإنسان· يذكر أن الرئيس ''كالديرون'' شن حملة عسكرية أمنية متصلة على تجار المخدرات منذ ديسمبر من عام ،2006 هدفها استعادة المدن والمناطق التي سيطر عليها تجار المخدرات إلى دائرة القانون والأمن، ووضع حد لتفشي الجريمة المنظمة في بلاده، ومن ناحيته أكد ''إدواردو مدينا مورا'' -المدعي العام المكسيكي- التزام الحكومة بوقف انتهاكات الشرطة والجيش لحقوق الإنسان لدى شنها للحملات التي تستهدف تجار المخدرات· جيمس ماكينلي- مكسيكو سيتي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''