تتحكم مستويات السيولة النقدية في تشكيل التوجهات الاستثمارية خلال النصف الثاني من العام الحالي 2009، ففي حين يتوجه المستثمرون أصحاب مستويات السيولة العالية إلى مجال الاستحواذ في الملكية الخاصة للاستفادة من تراجع أسعارها، يعكف أصحاب مستويات السيولة النقدية المنخفضة على إنجاز عمليات إعادة الهيكلة وترتيب الأوضاع الداخلية وتسديد الالتزامات المالية الملحة، بحسب رجال أعمال ومستثمرين. تغيير جذري وقال هؤلاء إن الأزمة المالية العالمية وتداعياتها أحدثت تغييراً جذرياً في طبيعة التوجهات الاستثمارية للشركات ورجال الأعمال بسبب نقص مستويات السيولة، مطالبين بالمزيد من الإجراءات الإصلاحية على غرار ما اتخذته الحكومة خلال الفترة الماضية بضخ 120 مليار درهم للقطاع المصرفي على دفعات. وأكد جمعة الماجد رئيس مجلس دبي للشؤون الاقتصادية لـ «الاتحاد» أن شح السيولة بالأسواق وإحجام البنوك عن الإقراض سيقلصان من عدد الخيارات الاستثمارية أمام الشركات ورجال الأعمال خلال الفترة المقبلة، إذ ستركز شريحة كبيرة من رجال الأعمال على إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية لشركاتهم بهدف ترشيد الإنفاق وسداد الالتزامات المالية المستحقة. وقال إن اتخاذ المزيد من الإجراءات الإصلاحية بهدف دفع البنوك لاستئناف الإقراض هو السبيل الوحيد لكي يتمكن رجال الأعمال من ضخ المزيد من الاستثمارات في البورصة والعقار وغيرهما من القنوات الاستثمارية المتاحة في الدولة. وأضاف «يتوجب على البنوك التجاوب مع طلبات رجال الأعمال بإعادة جدولة القروض المستحقة حيث إن توجيه إجمالي السيولة المتاحة إلى سداد الالتزامات البنكية سيقلل من عمليات ضخ استثمارات جديدة بالأسواق». ومن جانبه، أكد ماجد سيف الغرير رئيس مجلس إدارة شعاع كابيتال والمدير التنفيذي لمجموعة سيف الغرير أن استمرار الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة سيحدث تغييراً جذرياً في طبيعة التوجهات الاستثمارية داخل الدولة خلال النصف الثاني من العام الحالي. مستويات السيولة وأشار إلى أن مستويات السيولة المتوافرة لدى كل مستثمر ستشكل توجهاته خلال المرحلة المقبلة، حيث سيقوم رجال الأعمال الذين يتمتعون بمستويات سيولة محدودة بإرجاء مشروعاتهم التوسعية وإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية لشركاتهم للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السيولة على سبيل التحوط أو لسداد التزامات مالية ملحة. وتابع أن المستثمرين الذين يتمتعون بمستويات عالية من السيولة سيتوجهون إلى الاستثمار في الاستحواذ في قطاع الملكية الخاصة، بعد أن أدت الأزمة المالية العالمية وتداعياتها إلى تراجع حاد في أسعار الأصول بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50% وهو الأمر الذي يضمن تحقيق عوائد جيدة على الاستثمار في حال توافر السيولة اللازمة لإنجاز عمليات الاستحواذ. صعوبات التمويل وقال الغرير إن معيار السيولة «أصبح المحدد الرئيسي للاستثمارات في المرحلة المقبلة»، مشددا على أهمية ضخ المزيد من السيولة في الأسواق عبر استئناف عمليات الإقراض. وزاد «استمرار صعوبات التمويل سيدفع شريحة كبيرة من المستثمرين إلى تسييل محافظهم في أسواق المال لسداد التزاماتهم المالية». ولفت إلى أن الارتفاع المتوقع في أسعار البترول سيسهم من جانب آخر في رفع مستويات السيولة بالأسواق الخليجية، ما يجعلها الأقدر على التعافي من آثار الأزمة المالية العالمية. وقال الغرير إن القطاع الخاص يعول خلال المرحلة المقبلة على ارتفاع مستوى الإنفاق الحكومي من خلال تطلعه للمشاركة في تحديث مشروعات البنية التحتية على مستوى الإمارات، مشيرا إلى أن زيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية وفتح المجال لمشاركة القطاع الخاص سيعزز الخيارات الاستثمارية المتاحة خلال المرحلة المقبلة. وقال خالد بن كلبان العضو المنتدب وكبير المسؤولين التنفيذيين في شركة «دبي للاستثمار» إنه «لا يمكن الحديث عن ملامح التوجهات الاستثمارية خلال النصف الثاني من العام الحالي بدون التفريق بين وضعية المستثمرين المثقلين بأعباء الديون البنكية التي يستحق أجلها قريبا وهؤلاء المستثمرين الذين يتمتعون بسيولة نقدية كبيرة». ففي الحالة الأولى، والحديث لكلبان، يرى المستثمر أن تسديد الالتزامات المالية وترشيد النفقات بمثابة أولويات قصوى خلال النصف الثاني من العام الحالي خاصة مع ارتفاع نسبة الفائدة البنكية على القروض، بينما يتوجه أصحاب السيولة العالية إلى الاحتفاظ بأكبر قدر منها لحين توافر فرص استحواذ ذات عائد استثماري مرتفع بعد أن شهدت الأصول العقارية والاستثمارية انحداراً كبيراً في أسعارها خلال الأزمة المالية العالمية. اجراءات ناجحة وأكد كلبان أن الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة خلال النصف الأول من خلال ضخ 120 مليار درهم في الأسواق عبر القطاع المصرفي وضمان الودائع لمدة 3 سنوات علاوة على قيام حكومة أبوظبي بضخ 16 مليار درهم في خمسة بنوك كانت إجراءات ناجحة أسهمت في ضمان دورة الاقتصاد وتوفير السيولة اللازمة للمشاريع والشركات لاستئناف نشاطها خلال الفترة الماضية. وأشار إلى أهمية اتخاذ خطوات مماثلة لتحفيز مستويات السيولة في الأسواق خلال النصف الثاني من العام الحالي. وأوضح أن القطاع المصرفي والأسواق المالية تعاني من نقص في السيولة، وهو أمر يثير مخاوف رجال الأعمال في جميع القطاعات الاقتصادية خاصة انه يتسبب في رفع أسعار الفائدة على القروض والتشدد شروط الحصول عليها ما يجعل المستثمرين يميلون إلى الاحتفاظ بالسيولة وتقليص الاستثمارات. وأكد أن السوق المحلية بحاجة إلى نوعين من السيولة، الأولى سيولة نقدية يتم ضخها وفق آليات محددة والأخرى سيولة عبر طرح عدد جديد من المشاريع الحكومية التي تضمن مشاركة شركات العقار والمقاولين لتحقيق انتعاشة جديدة في هذا القطاع الحيوي. الخيارات الاستثمارية ومن جهته، أكد فردان الفردان رئيس مجلس إدارة مجموعة الفردان الاستثمارية ان الخيارات الاستثمارية المتاحة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة تبقى محدودة. وقال إن الاستثمار العقاري الذي يمثل قناة استثمارية رئيسية يمر بمرحلة تصحيح كبيرة، حيث أصبح المشروع العقاري بحاجة إلى نحو 12 عاماً لتغطية نفقاته الاستثمارية، مقابل سبع سنوات خلال فترة انتعاش القطاع قبل الربع الأخير من العام الماضي. لذلك، يعزف معظم المستثمرين مؤقتاً عن ضخ المزيد من السيولة في الاستثمارات العقارية لحين استقرار موجة التصحيح. وقال الفردان إن سوق الأسهم رغم التذبذبات التي شهدها خلال النصف الأول من العام الحالي ستبقى أفضل الخيارات الاستثمارية خلال المرحلة المقبلة، مع وصول أسعار الأسهم إلى مستويات سعرية مغرية.