محمد نجيم (الرباط)
ضمن المنشورات الجديدة للمركز الثقافي للكتاب في الدار البيضاء، أصدر الباحث والأكاديمي المغربي سعيد بنكراد مؤلفه الجديد «تجليات الصورة، سميائيات الأنساق البصرية»، ويتطرق فيه إلى ظاهرة تنتشر بشكل كبير في المجتمع الحديث، وهي «الصورة» وعلاقتها بالفرد، إذ أصبحت الصورة تكتسح المجتمع بشكل لم يسبق أن عرفته البشرية من قبل، فهي تُهَيمن على الفضاءات العامة والخاصة.
ويرى الدكتور بنكراد أن هناك قسما كبيرا من ساكنة هذه البلاد لا يعرف إلا القليل عن الصورة: طبيعتها ولغتها وطرق التدليل فيها. فالصورة عند العامة، وعند جزء كبير من الخاصة أيضا «هي تمثيل بريء لعالم بغاية استنساخه في نماذج تحل محله»، مضيفاً «أننا الآن أكثر من أي وقت مضى ننتمي إلى زمن التمثيل البصري بكل أشكاله، فلا أحد منا يمكن أن يتصور شوارع المدن والساحات خالية من الصور.
لذلك لم يعد من الممكن تجنب دراستها والتعرف على أواليات التمثيل والاستنساخ والتضليل فيها.
فالصورة ليست مودعة في الكتب التوثيقية والألبومات، كما كانت قديما، إنها في كل مكان، لقد تراجعت حقائق الوجود أمام الاندفاع الأهوج لحالات الاستعراء والاستبصار والتلصص والاحتماء الدائم بالصورة كما يفعل ذلك هواة (السيلفي) بنرجسية مريضة أو ما يفعله آخرون اتقاء لشر زمنية تُدمر كل شيء في طريقها».
لم يعد الطفل، حسب بنكراد، يتعرف على محيط بِكْر تبنيه حقائق ناطقة في وجود مادي، فحقائق هذا الوجود وتفاصيله تأتيه اليوم بوساطة الصورة أولا، وبعد ذلك تلتقط عيناه أشياء تكون صورتها في وجدانه نسخة سابقة بُنيت في الآلة بفضل تعديلات وتحسينات فوتوشوب، واستنادا إلى مسبقات المصور ومواقفه. وهذا معناه أن الصورة لم تعد وسيطا، إنها الواقعة والمنتج والجسد والطبيعة ذاتها، فهي لا تستنسخ واقعا، كما تَوَهمنا ذلك قديما، بل تُنتج نسخا منه مزيدة ومعدلة ستتحول مع الوقت إلى شاشة صماء تفصل بيننا وبين حقائق حياتنا كما ألفتها أعيننا.
ويضيف بنكراد: «لقد التُقطت، حسب بعض الإحصاءات، ما يقارب 850 مليار صورة سنة 2012، ظل أغلبها حبيس العوالم الافتراضية ولم يعرف طريقه أبدا إلى السند الورقي، فقد تداول الناس هذا الكم الهائل منها في شبكات التواصل الاجتماعي بعيدا عن أي غاية فنية أو جمالية. لقد بدأوا يستنبتون أو يستثيرون في الافتراضي، بوساطة الصورة، سلسلة من الوضعيات التي يتوهمون أنها هي حقيقة الواقع وذاك مصدرها الوحيد. واستكانوا بعد ذلك لما استنبتوه هم أنفسهم، فتحول (الواقع) ذاته إلى لحظة هشة عابرة في الوجدان سرعان ما تتلاشى وسط حقائق تُبنى في عالم افتراضي ليس معنيا بتعقيدات الحقيقة الواقعية وطابعها المركب».