ارتفاع أسعار النفط... هل يُنعش السياسة الروسية؟
في ظل ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، بات لدى روسيا اليوم نفوذ أكبر لتستعمله على الساحة العالمية، وهو ما تفعله بالضبط، حيث يخفف تدفق دولارات النفط المتزايد على خزائن الحكومة ما كان عجزاً مقلقاً في الميزانية ويقلل الطابع الاستعجالي للإصلاح. كما أن تحسين العلاقات مع الغرب -وبخاصة "إعادة إطلاق" العلاقات مع واشنطن- لا يظل ملحاً جداً في الواقع عندما يكون الاقتصاد هنا في حالة جيدة.
اليوم، تستفيد روسيا بشكل ملموس من الاضطرابات التي تعرفها بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث بيع خام الأورال مقابل 113 دولاراً هذا الأسبوع، مقارنة مع 75 دولاراً خلال الفترة نفسها من العام الماضي، تذهب 76.50 دولار منها إلى الخزينة الروسية. وعلاوة على ذلك، فإن ارتفاع عائدات النفط يعوض الضعف المتزايد المسجل في أماكن أخرى، إذ يأتي في وقت بدأت تتقلص فيه قوة غازبرزم -عملاق الغاز الطبيعي الذي كان حتى عهد قريب سلاحاً قوياً في سياسة روسيا الخارجية- في أوروبا بسبب ازدياد المنافسة.
وفي هذه الأثناء، زار رئيس الوزراء الروسي بروكسل أواخر فبراير الماضي حيث ألقى محاضرة غاضبة على الأوروبيين حول سياسة الطاقة والانتفاضات في العالم العربي. وبعد أشهر حاولت خلالها موسكو وواشنطن تأجيل النظر في خلافاتهما حول جورجيا إلى وقت لاحق، اتهم الرئيس ميدفيديف البلاد قبل أسبوعين بتهديد أمن أولمبياد 2014 الشتوي، الذي سينظم في سوشي بالقرب من منطقة انفصالية من جورجيا. وفي وقت سابق من هذا العام، ساءت علاقات روسيا ببولندا التي كانت آخذة في التحسن على خلفية طريقة التعاطي مع التحقيق في حادث تحطم الطائرة الذي قُتل فيه الرئيس البولندي وزعماء كبار آخرون الربيع الماضي.
غير أنه مع ازدياد عائدات النفط يأتي أيضاً خطر الرضا عن الوضع القائم والتقاعس. فمما لا شك فيه أن موظفي القطاع العام، والمتعاقدين في مجال الدفاع، والمتقاعدين، والعاملين في قطاع البناء، والمالية كلهم مرشحون للاستفادة من الأموال التي تدخل الخزينة، إلى جانب الشركات النفطية؛ غير أن هذا أيضا يغذي الفساد، ويشجع على زيادة الغموض المالي، ويثبط محاولات هز وخلخلة النظام - وكلها أمور يمكن أن تؤدي إلى مشاكل بالنسبة لروسيا في المستقبل. وفي هذا السياق، يقول ألكسندر أوزان، وهو اقتصادي ومستشار لميدفيديف: "إن كل المجموعات المهيمنة في روسيا تحصل على نصيب من عائدات النفط المتزايدة، غير أن ذلك يتناقض مع مصالحها على المدى البعيد".
إنه دعم قوي للوضع القائم -الذي يقول عنه أوزان وآخرون إنه لا يمكن أن يستمر- ولكن ومثلما أشار إلى ذلك سيرجي جورييف، رئيس المدرسة الاقتصادية الجديدة في موسكو، فإن أي تغيير سينطوي على كلفة بالنسبة لأحد ما، وبالتالي فلماذا المجازفة إذا كان المال يتدفق؟
فحاليا، تعد روسيا أكبر منتج للنفط في العالم. وعندما ارتفعت الأسعار آخر مرة (في 2007)، غُمرت موسكو بالمال وكان أشخاص مقربون من بوتين يشيرون إلى أن روسيا حققت الاكتفاء الذاتي حقا وإنها ليست في حاجة للانخراط بشكل أعمق مع الغرب. غير أن الأزمة الاقتصادية التي ظهرت العام التالي وضعت حداً لذلك الحديث، وبدأ ميدفيديف يدفع في اتجاه برنامج تحديث وتنويع بعيداً عن الاعتماد على صادرات الطاقة. كما انتقل الكريملن إلى تنشيط الاقتصاد في 2008 عبر زيادة الرواتب الحكومية ورفع المعاشات بـ35 في المئة. ولكنه اليوم عالق في تلك الزيادات. وقد توصل معهد "جيدر" للسياسة الاقتصادية هنا عبر حساباته إلى أنه إذا كانت عائدات النفط تشكل 40 في المئة من الميزانية الروسية، فإن الحكومة ستسجل عجزاً متى ما كان سعر البرميل دون 105 دولارات.
وهذا الأمر يساهم في الحد من أي جنوح إلى الغطرسة، كما يقول "دانييل تريسمان"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس الذي يتابع التطورات الروسية. فالكريملن كان ينظر إلى أزمة مالية صعبة، في وقت من المقرر أن تجرى فيه انتخابات برلمانية أواخر هذا العام وانتخابات رئاسية في مارس المقبل، وبالتالي فإن توقيت هذا الارتفاع في العائدات هو بمثابة غوث وفرج أكثر منه تشجيعاً على سلوك شرس.
وفي هذا الإطار، يقول "ليونيد جريجوريف"، الاقتصادي والمستشار السابق لدى البنك الدولي: "إننا لسنا في حاجة إلى أسعار مرتفعة؛ وإنما نحتاج إلى علاقات جيدة، وسوق مفتوح على المدى الطويل، وأسعار معقولة"، وضعها في حدود 70 إلى 90 دولارا. ويضيف قائلاً إن روسيا لن تدير ظهرها للغرب بأي طريقة؛ ولكن زعماءها، وخاصة في سنة انتخابية، قد يكونون أكثر ميلاً إلى الإشارة إلى خلافاتهم مع الغرب.
ففي 2010، كان لدى روسيا ما يكفي من المشاكل في الداخل لدرجة أنها كانت تحاول جاهدة تلافيها في الخارج؛ أما اليوم، وفي ظل توفر المال لمعالجة المواضيع الداخلية، فإن ذلك الحذر قد لا يكون واضحاً جداً.
تريسمان، وعلى غرار الكثيرين، لم يكن يعتقد أن الكثير سينتج عن مخططات التحديث التي تبناها ميدفيديف -فهي ليست التغيير الذي يمكن أن يفرض من القمة إلى القاعدة، كما يقول. ولكن ارتفاع العوائد النفطية يقلل من احتمال غربنة الاقتصاد الروسي. فهو يساعد الشركات الكبرى -التي تهيمن أصلًا على الاقتصاد لدرجة أكبر بكثير مقارنة مع بلدان أخرى- ويضر بالشركات الصغيرة، حيث تولد الوظائف والابتكار عموما.
ويل إنجلند - موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»