أسماء الحسيني (القاهرة)

يقف سجن كوبر، أحد أقدم سجون السودان، شاهد عيان على الكثير من الأحداث والتحولات التي مرت على السودان منذ عام 1903 تاريخ إنشاء الاحتلال الإنجليزي له، وقد استقبلت زنازينه العديد من القيادات السودانية رفيعة المستوى، كما شهد إعدام عدد من القيادات الوطنية، وشهدت أركانه تفاعلات الفرقاء السودانيين بمختلف توجهاتهم.
وفى الماضي، كان كوبر محطة مهمة في طريق الصعود السياسي لكثير من السودانيين، وبوابة للشهرة والتعاطف معهم، وكثير منهم أنهى حياته أو اختتمها فيه، خاصة في أعقاب الانتفاضات الثلاثة التي شهدها السودان في 1964 ضد نظام الجنرال إبراهيم عبود، وفي 1985 ضد الرئيس جعفر نميري، ثم أخيراً انتفاضة 2019، حيث يتم محاكمة أنصار الأنظمة السابقة وسجنهم.
بعد نجاح الحراك الشعبي في السودان في الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، قامت إدارة سجن كوبر مؤخراً بطلاء زنازين السجن وإجراء بعض التجديدات فيه.
وقال أحد المسؤولين عن السجن وقتها لبعض المتظاهرين، ها نحن قمنا بإصلاحات في السجن كما كنتم تطالبون، فرد عليه أحد قيادات تجمع المهنيين: لقد أصلحتموه لأنفسكم.
وما هي إلا أيام حتى نقل البشير وبعض أعوانه من مسؤولي النظام السابق إلى سجن كوبر، ربما ليشربوا من ذات الكأس التي أذاقوها خصومهم على مدى 30 عاماً من حكمهم، اكتظ فيها سجن كوبر وبيوت الأشباح وسجون أخرى كثيرة تم بناؤها في الخرطوم وأقاليم السودان بمعارضيهم السياسيين.
وكان نظام البشير، أو الجبهة الإسلامية في السودان، أودع عقب انقلابه في 30 يونيو 1989 الصادق المهدى، رئيس الوزراء المنتخب ورئيس حزب الأمة، ومحمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي سجن كوبر، ومعهما الدكتور حسن الترابي عراب النظام للتمويه على علاقته بالانقلاب.
ويعد سجن كوبر أكبر سجون الخرطوم، حيث تبلغ مساحته 5 آلاف متر مربع، ويقع في الخرطوم بحري بالقرب من كوبري القوات المسلحة، الذي يربطها بالخرطوم، واسمه السجن العمومي، لكنه عرف باسم كوبر، نسبة إلى المسؤول البريطاني الذي كان يدير المنطقة، ويزور السجناء، ويعاملهم بطريقة إنسانية.
وقال محمد عبد الرحمن، أحد مسؤولي أمن الدولة، في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري لـ «الاتحاد»: «السجن عبارة عن زنازين مساحتها 4×6، و4×3، وفيه نظام الأحواش مثل البيوت السودانية، حيث يخرج المساجين فيها بعض الوقت، نظراً لحرارة الجو في السودان». ويضيف: كوبر كان مخصصاً للصفوة من السياسيين، مشيراً إلى أن هناك سجوناً المعاملة فيها أشد غلظة خارج العاصمة.
من جانبه، قال محمد كمال، أحد المسجونين السابقين في كوبر، إن السجن كان يستقبل المحكومين بالإعدام والمسجلين خطر وأصحاب الجرائم الخطيرة، بالإضافة إلى قسم خاص للمعتقلين السياسيين، والقسم الأخير هو الذي اشتهر بسببه السجن.وأوضح كمال: أن التعذيب والاستجواب للمعارضين السياسيين في عهد الإنقاذ كان يتم في بيوت الأشباح، التي تحولت لاحقاً إلى مقرات أمنية غير معروفة، قبل أن ينقل السجناء إلى سجن كوبر أو غيره التي كانت تخضع قبل نظام البشير لقوانين السجون، قبل أن تنشأ في السجون أقسام تابعة للأجهزة الأمنية تبطش بالمعتقلين.