دينا محمود (لندن)

في الوقت الذي تكثف فيه السلطات الأميركية تحقيقاتها بشأن الصلات المشبوهة لشركة «الخطوط الجوية القطرية» بشركة «آير إيطالي» الإيطالية التي يستغلها الناقل الوطني للدويلة المعزولة للتنصل من تعهداته باحترام اتفاقية السماوات المفتوحة في الولايات المتحدة، تفجرت فضيحةٌ جديدةٌ في وجه الشركة المملوكة لحكومة الدوحة، بعدما قُبِض على اثنين من العاملين فيها في حالة سكرٍ بينٍ على متن رحلة كان يُفترض أن تتجه من فنلندا إلى قطر قبل يومين.
ودفعت حالة الثمالة، التي بدت ظاهرةً بوضوح على المُضيفيْن الجوييْن العاملين في الشركة القطرية المُلاحقة بالفضائح، إلى أن تتخذ السلطات الفنلندية قراراً فورياً بمنع إقلاع الطائرة، التي كان يُفترض أن تغادر مطار العاصمة هلسنكي في العاشرة من صباح أول أمس الأول، خشية أن تواجه مشكلاتٍ قد تكون كارثيةً في الأجواء بسبب عدم انضباط طاقم ضيافتها.
وأفادت وسائل إعلام فنلندية وأخرى معنية بحركة الملاحة الجوية المدنية، بأن عناصر الأمن سارعت لاعتقال المُضيفيْن، اللذين لم يُكشف عن هويتهما، ونقلتهما إلى مركز للشرطة شرقي العاصمة هلسنكي بالقرب من المطار الذي شهد الحادث.
وبحسب الأنباء المتوافرة حتى الآن، فإن أحد فرديْ الطاقم القابعيْن وراء القضبان حالياً في العاصمة الفنلندية، هو كبير مضيفي الطائرة القطرية، أما الآخر فهو أحد المسؤولين عن التشغيل، خلال الرحلة التي تقوم بها عادةً طائراتٌ من طراز إيرباص 350 - 900.
وأدى ذلك إلى تعطيل الرحلة لـ 12 ساعة كاملةً، حتى تسنى للشركة توفير بديلٍ عن المُضيفين الثمليْن، وهو ما أسفر عن وصول الطائرة إلى الدوحة في حوالي الرابعة فجر أمس بدلاً من عصر الثلاثاء كما كان مقرراً، مما أثار غضباً عارماً بين ركابها.
وأبدى الكثير من هؤلاء الركاب استياءهم الشديد مما أقْدَمَ عليه المضيفان، خاصةً وأنه تم اكتشاف ما ارتكباه بالصدفة على يد عمالٍ في المطار الفنلندي قبل ساعة ونصف الساعة فقط من الإقلاع، وهو ما يعني أنهم كانوا سيقضون مدة الرحلة التي تستغرق في المعتاد خمس ساعاتٍ ونصف الساعة، على ارتفاع عشرات الآلاف من الأقدام، مع طاقم ضيافة يترنح بعض أفراده من السُكْر.
وفي بادئ الأمر، حاولت الشركة التابعة لـ «نظام الحمدين» التكتم على الفضيحة الجديدة وعدم الرد على أسئلة وسائل الإعلام بشأنها، ولكنها اضطرت في نهاية المطاف إلى الإقرار بما حدث عبر بيانٍ هزيلٍ لم تكشف فيه عن أي تفاصيل جديدةٍ تخص الواقعة، واكتفت بالقول إنها حدثت على متن الرحلة رقم 304، وإن عدد المتورطين فيها اثنان، كما كان معلوماً من قبل.
وبينما أفادت وسائل الإعلام الفنلندية بأن المُضيفيْن المحبوسيْن، لم يُفصح البيان القطري المقتضب بوضوحٍ عن ذلك، بل أشار - على نحوٍ مثيرٍ للجدل - إلى أن فرديْ طاقم الضيافة «متهمان بتجاوز الحد المسموح لمعاقرة الكحوليات»، وهو ما بدا إقراراً واضحاً بأن الشركة القطرية تسمح لمنسوبيها بتناول الخمور حتى خلال أوقات العمل، رغم ما قد يسببه ذلك من مخاطر تهدد حياة مئات الركاب.
وحاول المتحدث باسم الشركة - في بيانه الذي أرسله عبر البريد الإلكتروني تقديم تطمينات لعملاء «القطرية» بأن شركته «اتخذت كل الإجراءات اللازمة» للتعامل مع ركاب الرحلة وتلبية متطلباتهم خلال فترة التأخير الطويلة.

وألمحت مصادر معنية بقطاع الطيران المدني إلى انتشار حالات الثمالة بين العاملين في «الخطوط الجوية القطرية» وإن سراً، ما يهدد بعزوف الركاب عنها، لتتفاقم الخسائر التي تُمنى بها من الأصل، منذ فرض العزلة على الدوحة منتصف عام 2017 من جانب الدول العربية الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).

من جانبهم، أبرز خبراء في مجال الطيران المدني السجل الأسود للعاملين في «القطرية» على هذا الصعيد، وذلك عبر التذكير باعترافاتٍ وردت على ألسنة مسؤولين سابقين في الشركة. ففي عام 2015 وجه روزين ديميتروف الذي كان وقتذاك نائب رئيس أحد الأقسام المرتبطة بخدمة العملاء في الشركة القطرية، رسالةً شديدة اللهجة إلى أطقم الضيافة الجوية العاملة فيها، وذلك لانتقاد إفراطهم في احتساء الخمور.
وتضمنت الرسالة صورةً لإحدى مضيفات الشركة، وقد سقطت على الأرض من فرط السُكْر، بعد سهرةٍ صاخبةٍ في العاصمة الدوحة. وأعرب ديميتروف في رسالته عن «خزيه وانزعاجه» من السلوك الذي أقْدَمَتْ عليه هذه السيدة، مُهدداً العاملين في «القطرية»، بأن يتم تعديل القواعد المعمول بها في الشركة «إذا لم تتسم تصرفاتهم بالنضج والرشد».
وبحسب متابعين، يبدو أن انخراط العاملين في الناقل الوطني للدويلة المعزولة في احتساء الخمور يعود للضغوط الشديدة التي يتعرضون لها من جانب إدارة الشركة التي تبذل محاولاتٍ محمومةً لتصدير صورةٍ براقةٍ عنها وعن العاملين فيها.