مصادر المياه... وقود صراعات المستقبل!
سلام الربضي
باحث أردني في العلاقات الدولية
المياه تغطي 71 في المئة من مساحة الكرة الأرضية، ولكن 98 في المئة منها تحتوي على نسبة عالية من الملوحة تجعلها غير صالحة لمعظم الاستخدامات. وتشير التقارير الدولية إلى أن موارد المياه المتاحة لكل فرد في العالم ستتقلص بنسبة لا تقل عن 50 في المئة خلال الفترة الواقعة بين عامي 2000 – 2025، وتكمن الخطورة عند معرفة أن نسبة الاستهلاك العالمي للمياه تزداد بمعدل 8.4 في المئة سنوياً. وفي خضم هذا الواقع العالمي الذي يعاني من مشكلة نقص حاد، أصبح تقاسم مصادر المياه ضرورياً أكثر فأكثر وصعباً بفعل تنوع الحاجات والاستخدامات واللاعبين. وفي ظل التقارير والدراسات التي تشير إلى أن القرن الحالي سيشهد حروباً داخلية وخارجية للسيطرة على المياه مثلما شهد القرن الماضي حروباً على النفط، وتبدو المياه رهاناً استراتيجياً يدخل في صميم الأمن القومي لأي بلد.
وضمن هذا الإطار، هل يمكن فهم الاستراتيجية التركية المستقبلية دون فهم السياسة المائية لتركيا الباحثة عن دور إقليمي متعاظم في منطقة يعاني 14 بلداً فيها إضافة إلى ثمانية بلدان في الاتحاد السوفييتي سابقاً من مشاكل مائية وغذائية؟
ما هو انعكاس أزمة المياه على مستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي؟ وهل ستكون أزمة المياه المستقبلية بمثابة عود الثقاب الذي سيشعل فتيل الانفجار والصراع الحتمي؟ أم تكون تلك الأزمة بمثابة الباب، الذي سيتم الدخول عن طريقه إلى مرحلة جديدة من العلاقات القائمة على التعايش الحتمي؟
وعلى ضوء ما يرسم من صورة قاتمة للوضع المائي العالمي والإقليمي، يبقى التساؤل مشروعا عن كيفية إيجاد السبل لحل هذه المعضلة سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي أو على صعيد القانون الدولي. وعلى صعيد عالمنا العربي، تنبع معظم مصادر المياه العربية من مصادر غير عربية مما يجعل الأمن القومي العربي قابلا للاختراق من قبل كثير من الدول منها على سبيل المثال تركيا وأثيوبيا. وكثيراً ما يتم استخدام المياه كسلاح تهديد ضد العرب والضغط عليهم، وهو ما حدث فعلاً عام 1998 ممثلاً الضغط التركي على سوريا. وكما حدث أيضاً بين مصر وأثيوبيا. ولكن يبقى الأمر أكثر تعقيداً على مستوى الصراع العربي- الإسرائيلي، حيث أمام هذا الوضع المائي الصعب، فإن إسرائيل تقترح تعاوناً مائياً في المنطقة من فرضية أن العقدين القادمين من القرن الحادي والعشرين سيكونان على الأرجح عقدي صراع وتشاحن على موارد المياه في الشرق الأوسط، وتعتبر أن حل أزمة المياه بالطرق التقليدية لم يعد يجدي نفعاً، وأنه لا مفر من أدوات وأساليب جديدة لإدارة هذا الصراع قبل أن يتحول إلى أزمة حادة يصعب حلها. وبالتالي تصبح مسألة المياه بالنسبة لإسرائيل مسألة وجود، وتحاول تل أبيب من خلال هذا الوضع المعقد أن تأخذ المياه كنموذج حتمي للدخول في سلام وتطبيع مع الدول العربية يخدم مصالحها الإستراتيجية.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يبقى التساؤل: هل هناك إستراتيجية عربية واضحة فيما يتعلق بالأمن القومي المائي العربي؟ وهل الأمن القومي المائي لبعض الدول العربية سيفرض عليها خيارات قد تكون خارج إطار العمل العربي المشترك؟ وهل يمكن لنا التنبؤ بطبيعة العلاقة العربية- العربية في ظل الأزمة المائية مثلاً ماذا سيحدث في المستقبل بين مصر والسودان، العراق وسوريا، الأردن وسوريا؟ وهل هناك رؤية واضحة للمستقبل المائي ولكيفية التعامل مع الخيارات الحتمية المائية التي سوف تفرض نفسها على الصراع العربي- الإسرائيلي؟ والسبيل لحل معضلة المياه يكمن على ثلاثة مستويات، أولها محلي، بمعنى الحلول التقنية التي يمكن لكل دولة أن تنتهجها للحد من تفاقم الأزمة، ومنها ما هو قائم على سياسة ترشيد الاستهلاك، وإقامة السدود، وتحلية مياه البحر، وإتباع سياسة زراعية قائمة على الأخذ بعين الاعتبار الوضع المائي. والتوعية الوطنية القائمة على التربية واحترام هذه المادة الحيوية. ثانياً على الصعيد العالمي، من الواضح أن أحد أسباب أزمة المياه عالمياً هو ما يحدث على صعيد عالمي من تلوث بيئي ينعكس يومياً على الوضع المائي، وأقل ما يمكن قوله في هذا الإطار ما ينتج عن التلوث البيئي من ارتفاع في درجة حرارة الأرض مما يترك آثاراً خطرة للغاية على الثروة المائية العالمية. ومن هذا المنطلق تكمن أهمية الفاعلين الدوليين ومنهم المنظمات غير الحكومية المدافعة عن البيئة. ومسألة المياه عالمياً نموذج يؤكد أن هناك دبلوماسية جديدة تظهر على الساحة الدولية وهو ما يعرف بدبلوماسية المنظمات غير الحكومية.
ثالثاً، من الناحية القانونية، فإنه على الرغم من أن أشواطاً كبيرة قد قطعت عالمياً لوضع معاهدات واتفاقيات دولية لتنظيم مسألة المياه، ومن آخرها اتفاقية عام 1997 اتفاقية الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، فإنه في ظل استمرار التوزيع غير المتكافئ للموارد المائية والنمو المتزايد للطلب، تبدو المياه رهاناً استراتيجياً مولداً لأوضاع نزاعية بين الدول، تبقى تحت رحمة موازين القوى في غياب تشريع دولي حقيقي ملزم في مجال المياه، بالإضافة إلى غياب الآلية الواضحة لكيفية التعامل مع المخالفين لهذه الاتفاقيات أو عدم المشاركين فيها.
مثلاً هل يمكن لدولة كتركيا لديها هذا الرهان الدولي الاستراتيجي أن تتخلى عنه؟ في النهاية نتساءل: إذا كان هناك في عصرنا الحديث نموذج صراعي ما بين الدول – فيما يتعلق بالمياه- تم حسمه عسكرياً؟ قد تكون الإجابة على هذا التساؤل بمثابة المؤشر الذي على ضوئه يمكن رؤية وتحليل ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل؟
ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»