تمتزج الظلال بالأضواء لتكون صورة شبه واقعية ترصد فكرة، قد تكون جريئة أو تقليدية أو حتى ثورية، لكنها تبلور رؤية الجيل الجديد عن المجتمع المحلي وما يحتويه من قضايا وإشكالات وتحديات، هكذا كان المشهد الذي رصدته «الاتحاد» في مهرجان الخليج السينمائي الثالث، خاصة في مسابقة الطلبة للأفلام الوثائقية، الذي عرض من خلاله حوالى 30 فيلما وثائقيا، كل منها يحمل وجهة نظر صانعيه بلغة تحاول الاقتراب من لغة السينما حسب الإمكانيات المتاحة. غلب على الأفلام المشاركة صفات مشتركة، لعل أبرزها هو ضعف الإمكانات الإنتاجية، والميل للمباشرة، إضافة إلى الجرأة في المعالجة، دونما حرص أو خوف من تابوهات معينة، ومشاركة عدد كبير من المخرجات الشابات اللاتي يزيد عددهن عن 15، يتنافسن على جوائز المهرجان، لكن الأجمل من كل هذا هو النقد الذاتي الذي يمارسه الجميع بعفوية ودون حذر، حيث تبدأ النقاشات عقب الانتهاء من العرض، بلغة يغلب عليها الاجتهاد وتغيب عنها الحرفية في اغلب الاحيان، وحسنا فعلت إدارة المهرجان بعرض الاعمال المشاركة مرتين أو ثلاث، لإتاحة الفرصة للجميع لمشاهدة الأعمال المختارة. قالت أحلام البناي (طالبة في كلية دبي للطالبات بقسم الإعلام ومخرجة ومؤلفة فيلم أنا عربي) إن مهرجان الخليج يكاد يكون النافذة الوحيدة المتاحة أمام الأفلام الوثائقية والقصيرة كي يشاهدها الجمهور، كما أنه فرصة لتتعرف كل المشاركات على أعمال أخرى من داخل وخارج الإمارات، مشيرة إلى أن معظم الأعمال المقدمة هي مشاريع طلابية فقيرة الإنتاج، حيث توفر الكلية معدات التصوير والمونتاج فقط، والباقي على فريق العمل أن يتمه من جيبه الخاص. “أنا عربي” وعن “أنا عربي” الذي لا تتجاوز مدته 20 دقيقة وكيف بدأت فكرته، أشارت إلى أنها فوجئت أن اللغة العربية ربما تأتي في المرتبة الرابعة، رغم أن مسمى الدولة هو الإمارات العربية المتحدة، وقرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي كان واضحا بأن تكون العربية هي لغة المخاطبات الرسمية ومع ذلك لم يلتزم الكثيرون بحجة أن نسبة تزيد على 50% من العمالة لا يجيدون العربية، والأكثر إيلاما- وهو ما أورده الفيلم أن إحدى المواطنات اشترطت في من يتقدم لخطبتها أن يجيد اللغة الإنجليزية حتى تستطيع أن تتفاهم معه، بما يؤكد أن المسألة أخذت بعدا اجتماعيا ونفسيا ينذر بالخطر على الهوية الوطنية وربما الوجود. ومن هنا كان الفيلم بمثابة صرخة، لانقاذ اللغة العربية أو إنقاذنا بها.وعن الأعمال المقدمة أكدت أحلام أنها شاهدت العديد من الأعمال كلها لطلاب وطالبات في نفس المراحل السنية، ووجدت أن هناك العديد من الأعمال الجيدة للغاية. أما جمانة الغانم (طالبة في كلية دبي للطالبات بقسم الإعلام ومخرجة ومنتجة فيلم أنا عربي) فأوضحت أن المهرجان بمثابة عيد للأعمال الطلابية بعدما حدد لها مسابقة خاصة، وفرصة للتواصل مع أعمال الطلبة والمحترفين أيضا، مشيرة إلى ثراء المناقشات التي تتم بعفوية عقب نهاية عرض الأفلام، لما لها من فائدة كبيرة على صناع هذه الأعمال، منوهة بالحضور الكبير للجمهور الذي ربما يتجاوز 120 شخصا في العرض الواحد، بما يؤكد إمكانية خلق جمهور لهذه النوعية من الاعمال، التي رغم بساطة إنتاجها إلا أن التصاقها بالواقع جعلها أكثر قربا من الجمهور. لغة خاصة أما عائشة السويدي الطالبة بكلية دبي للطالبات ومخرجة فيلم “إعادة تشكيل” فترى ان كافة الاعمال المشاركة من الإمارات هي عبارة عن مشاريع جامعية، تحاول من خلالها الطالبات طرح وجهة نظرهن في كافة القضايا المجتمعية من خلال رؤية يغلب عليها الرصد المباشر لتلك الظواهر، في قالب هو أقرب إلى التحقيق بالتطرق إلى كافة جوانب الموضوع المطروح، معبرة عن سعادتها بالمشاركة في المهرجان الذي يعد بوابة للتواصل مع أعمال المحترفين في عالم الفن السابع. وأضافت أنها شاهدت أكثر من 15 فيلما مشاركا، ووجدت في كل منها مخرجة تبحث عن لغة خاصة بها، وتعاملا جديا مع موضوعها وفق الإمكانات المتاحة، مطالبة بدعم السينما الوثائقية بأكثر من مجرد تنظيم مهرجانات، إذا كان المطلوب هو وجود فيلم خليجي حقيقي سواء كان روائيا طويلا أو قصيرا أو وثائقيا، لأنه بدون ذلك هناك صعوبات حقيقية لتقديم أعمال مكتملة وقادرة على المنافسة. “إعادة تشكيل” أما نوارة الشامسي التي قامت بعمل المونتاج والمكساج للفيلم الوثائقي “إعادة تشكيل” فأكدت أن العمل ركز على رد فعل المجتمع بمختلف طبقاته وأجياله على عمليات التجميل، واهتم بالتعرف على رأي المتخصصين فيها وتطرق إلى الأعباء المالية المترتبة على عمليات التجميل التي ربما تصل إلى 40000 درهم، وعادة لا تحقق النتائج المطلوبة، مشيرة إلى أن مفاجأة الفيلم أنه كشف أن الرجال أيضا يقبلون على عمليات التجميل بنسبة تصل إلى 46%، أما النساء فتصل النسبة إلى 54%، ورغم ذلك لم يجرأ رجل واحد ممن أجروا عمليات تجميل على الظهور في الفيلم. وعن مشاركتها في المهرجان اكدت انها المرة الثالثــــة لها حيث شــــاركت بفيلم “التابو” الذي فاز بجائزة تقـــديرية، ثم شاركت مع مجمـــوعة من زميلاتهــا بفـــيلم “البحث عن الشــريك المثالي” وهذا العام هي المــــشاركة الثالثة، وأن المشاركة لا تعني البحث عن جائزة بقدر ما هي فرصة للتواصـــل مع الفن السـابع، والتعرف على لغات مختلفة للسينما، مؤكدة وجود العديد من الأعمال الجيدة في مسـابقة الطلبة، تشــي بوجود مواهــب حقيقية خاصة بين المخرجات الشابات، اللاتي يكبلهن عدم التفــرغ وضعف الإمكانات التي تؤثر بلا شك على اسلوب المعالجة. السينما تمثل وسيلة إبداعية هامة صرح مسعود أمر الله آل علي، مدير مهرجان الخليج السينمائي بأن السينما تمثل وسيلة إبداعية هامة تتيح لكل مخرج تقديم رؤيته الخاصة حول الحياة، مؤكدا أن مجموعة الأفلام التى تقدم بها الطلبة للمشاركة فى مهرجان الخليج السينمائى تعكس مدى ارتباط هؤلاء المبدعين بواقع الحياة، وقدرتهم على تقديم رؤيتهم عنها بأسلوب سينمائى معبّر، وطالب مدير المهرجان بضرورة إنشاء معاهد وكليات للسينما في دول الخليج، لإعداد الموهوبين الشباب، معرفيا وفنيا، حتى يتم الوصول إلى اعمال تحمل لغتها السينمائية المعبرة عن طبيعة وظروف المنطقة. مؤكدا أن مسابقة الطلبة تمثل منطلقاً هاماً يستفيد منه المخرجون الشباب للتعريف بمواهبهم وتقديم أعمالهم أمام جمهور واسع، إضافة إلى إمكانية التوجه نحو حياة مهنية ناجحة في مجال السينما. وتتجلى في الأفلام التي تم اختيارها للمشاركة في المسابقة المواهب الكبيرة التي يتمتع بها شباب اليوم. وإن عنايتهم الفائقة بأدق التفاصيل إضافة إلى اهتمامهم بتوظيف التقنيات الحديثة وقدراتهم السردية الكبيرة هي مؤشرات مشجعة تؤكد النمو المتسارع الذي تشهده صناعة السينما في منطقة الخليج.