نيكولاس كليج... نجم السياسة البريطانية
نيكولاس كليج، بقامته الطويلة ووجهه الطفولي، هو بدون منازع رجل الساعة في السباق الانتخابي المحتدم على منصب رئيس وزراء بريطانيا، لكنه أيضاً السياسي الذي أعلن إلحاده على الملأ، وعبّر عن رغبته في إنهاء علاقة "التبعية" تجاه واشنطن، والنظر في استبدال الجنيه الاسترليني الذي يحظى باحترام كبير باليورو... وهكذا بين ليلة وضحاها تمكن كليج من ضخ دماء جديدة في السباق الانتخابي، مزعزعاً المؤسسة الرسمية البريطانية ومحدثاً ما بات يسمى بعامل كليج.
وفي بلد عرف بحزبيه الرئيسيين، العمال والمحافظين، اللذين يتناوبان على الحكم، شكّل الصعود المذهل لكليج في المناظرة الانتخابية التي عرضت لأول مرة على شاشات التلفزيون في بريطانيا خلال الأسبوع الماضي، فرصة للحزب الليبرالي الديمقراطي الذي درجت العادة أن يحتل المترتبة الثالثة في السياسة البريطانية، كي يحرز تقدماً واضحاً في استطلاعين للرأي على الأقل، وعلى بعد أسبوعين فقط تفصلنا عن الانتخابات التي ستجرى في السادس من مايو المقبل.
لقد أحدث بروز كليج على الساحة السياسية بهذه الطريقة انقلاباً حقيقياً في الآلة السياسية التقليدية التي تنازعها في السابق كل من تاتشر وبلير. كما بث كليج خطابه المخالف للمألوف والداعي للتغيير حيوية غير مسبوقة في صفوف الناخبين الشباب، مما دفع الصحافة البريطانية إلى مقارنته بالرئيس أوباما. ولأول مرة يدرس المتابعون احتمال فوز كليج في الانتخابات العامة القادمة، أو على الأقل الخروج بنتائج متقاربة تحول دون فرز أغلبية واضحة في البرلمان، في سابقة لم تتكرر منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يبقي المستثمرين في حالة من الترقب والقلق مخافة تشكيل حكومة هشة وغير قادرة على الحكم، بينما تعاني بريطانيا تحت وطأة الديون. وقد أدت هذه المخاوف إلى تراجع قيمة الجنيه الاسترليني في الأسواق العالمية خلال الأسبوع المنصرم بعد المناظرة التي أبلى فيها كليج بلاء حسناً.
واعتبر كليج أن "العلاقة الخاصة" بين بريطانيا والولايات المتحدة عفى عليها الزمن، وأن بريطانيا لن تلعب دور الشرطي رقم 2 في العالم، كما دعا إلى خفض السلاح النووي لبلاده، محذراً من التشدد تجاه إيران والتوعد باستخدام القوة. وعن هذا الموضوع يقول "جون كورتيس"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستارتسلايد، "لو كنتَ الإدارة الأميركية لشعرتَ بالقلق لأنك لم تجلس على طاولة الغداء كثيراً مع الليبراليين الديمقراطيين، وربما كنت تفكر في دعوة كليج على العشاء في السفارة الأميركية، وبالطبع كنت ستقلق مما إذا كان كليج سيحافظ على نفس الخط في علاقات بلاده مع أميركا".
لكن رغم انتقاد قادة حزب كليج للطريقة التي تعاملت بها الحكومة البريطانية مع الحرب في أفغانستان، حيث تحتفظ بريطانيا بأكبر قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة، فإنهم وصفوا دورهم بـ"المساندة النقدية" لجهود الحرب ولم يطالبوا بالانسحاب الفوري للقوات البريطانية.
وفي خطابه يوم الثلاثاء الماضي، وصف كليج صراحة العلاقة بين لندن وواشنطن بمخلفات الحرب الباردة، وأضاف أن غزو العراق لم يكن "شرعيا". وهو، وإن كان قد أطرى أوباما على سياسته الدولية، فإنه دعا إلى ترتيب البلدين لأولوياتهما، قائلا: "أعتقد أنه من المحرج في بعض الأحيان الطريقة التي يتحدث بها العماليون والمحافظون عن العلاقة الخاصة بالأميركيين".
ويُعزا الصعود الأخير لكليج، البالغ من العمر 43 عاماً، في استطلاعات الرأي، إلى المناظرة على الطريقة الأميركية التي اعتُمدت لأول مرة خلال هذه السنة على الساحة البريطانية، فعندما اعتلى كليج المنصة خلال الأسبوع الماضي بمدنية مانشيستر كان بعيداً في المرتبة الثالثة وراء باقي المرشحين، غير أنه بأسلوبه الذي راوح بين الخطاب الشعبي والدهاء، سرق الأضواء من رئيس الحكومة براون، ومن المرشح المحافظ كاميرون الذي تصدر السباق لفترة طويلة.
ومع تراجع حظوظ براون وانخراط كاميرون في الصراع مع كليج، ستتجه الأنظار إلى أداء هذا الأخير في المناظرة الثانية حول السياسة الخارجية التي ستُعقد ليلة الخميس المقبل.
وبسبب طبيعة النظام الانتخابي في بريطانيا، فقد يفوز كليج بأغلبية أصوات الناخبين، لكنه قد لا يؤمن ما يكفي من المقاعد البرلمانية لتشكيل الحكومة، وسيحتاج لنحو 40 في المئة من الأصوات لإيصال حزبه إلى سدة الحكم. وتشير استطلاعات الرأي إلى نسبة تتراوح بين 30 و34 في المئة من الأصوات سيحصل عليها الحزب مقارنة مع 20 في المئة كان قد حصل عليها قبل المناظرة. وإذا ما فشل كليج في تشكيل الحكومة فسيتشكلها إما براون أو كاميرون بتحالف مع الليبراليين الديمقراطيين أو مع أحزاب صغيرة محلية. وكانت آخر مرة يحدث فيها ذلك داخل بريطانيا في عام 1974 حيث سقطت الحكومة خلال ثمانية أشهر.
واللافت أن كليج، المولود لأم هولندية وأب ينحدر من نبلاء روسيا، لا تنطبق عليه معايير الرجل التقليدي الإنجليزي، فكليج الذي يتحدث أكثر من لغة، درس في جامعة كامبريدج، ثم في جامعة مينيسوتا الأميركية، وهو متزوج من سيدة إسبانية ولديهما ثلاثة أبناء يربونهم وفقاً لتقاليد الكنيسة الكاثوليكية، رغم أن كليج نفسه سبق أن أشهر إلحاده في عام 2007.
لكن بحسب المراقبين فإن كليج الذي وظف تذمر الرأي العام من فضيحة استغلال بعض البرلمانيين البريطانيين للمال العام، لديه نقاط ضعف يمكن استثمارها؛ مثل موقفه الليبرالي من الهجرة، ورؤيته لبريطانيا أكثر قرباً من الاتحاد الأوروبي، وهما موقفان لا يلقيان صدى لدى الرأي العام. غير أنه بالنسبة للعديد من البريطانيين يبقى أهم ما يميز كليج الأسلوب وليس السياسة، وهو ما يعبر عنه "باتريك لينش"، المهندس المعماري في لندن، قائلا: "أنت لا تستطيع دعوة براون، أو كاميرون إلى العشاء، فبراون يبدو وكأنه شيخ كبير السن، وكاميرون يبدو كمن ولد في سنه الحالي، أما كليج فهو إنسان معاصر".
أنتوني فايولا - لنـدن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست»