بين الغربة والرغبة في النجاح مضت سنوات دراسته الأكاديمية، علي السلامي واحد من الشباب الإماراتيين الذين أتموا تعليمهم الجامعي في الخارج، ويجتهد للحصول على درجات عليا في الدراسة، نموذج مشرف لشباب واعد ”على أرض المطار وقفت قدماه عاجزة عن الحراك، يغادر الإمارات إلى بلد آخر غريب، يومه الأول في الفراق، في البعد عن الأم الطيبة والأب الحنون، صغير تناديه الحياة، يشعر بالحيرة، وتأخذه الشجاعة للمجازفة” كحلم يعود هذا المشهد لذاكرة علي السلامي، الفتى الإماراتي الشاب الذي يدرس الماجستير في جامعة “كوفنتري” في المملكة المتحدة. لم يكن علي محمد السلامي من محبي السفر، ولم يحلم يوما في البعد عن الأهل للدراسة، بل إنه لم يسافر أبدا قبل التخرج من الثانوية العامة، يقول علي: لم تكن لدي الرغبة الكاملة في السفر للخارج، ولم أكن من الناس الذين يحبون السفر ولكن بعد إصرار من الأهل لتوفير دراسة أكاديمية أتسلح بها، انطلاقاً من خوفهم على مستقبلي، قبلت على مضض، وطاوعت أهلي، وحين وصلت على مقاعد الدراسة، تفهمت شعور الأهل، ولمست أهمية رغبتهم في إرسالي لخارج الدولة كي أكمل دراستي، وهذا الأمر هو ما شجعني بعد الاستعانة بالله وساهم في رسم مستقبلي وحياتي. يخطو علي السلامي في عامه الرابع والعشرين بثقة، أنهى دراسته الاكاديمية لمرحلة البكالريوس في جامعة كوفنتري تخصص إدارة المشاريع الهندسية، وهو في الأيام الأخيرة التي تسبق تخرجه بدرجة الماجستير الآن من نفس الجامعة. الغربة كربة يتحدث علي القادم من إمارة الفجيرة الهادئة، عن صعوبة حياة الاغتراب فيقول : صدق من قال “ الغربة كربة”، فشعوري في الأيام الأولى كان صعبا لا أستطيع وصفه لأنه مزيج من الحزن للابتعاد عن المكان الذي كبرت وترعرت فيه، والفرح لأنه البداية لتحقيق الطموح، كانت مشاعر الحزن غالبة عليّ لأني لم أكن أود الرحيل عن أرض الإمارات وأهلها الأحباب. وعن معوقات الحياة التي صادفته، يتابع السلامي: لم تواجهني أية معوقات قبل السفر، لكن لحظة وصولي للملكة المتحدة، انتابني شعور شديد بالغربة، وبالشوق إلى وطني وأهلي، واستطعت تجاوز هذا الإحساس بالمواظبة على الدراسة والتقرب من الله بالصلاة والعبادة كي لا تجرفني الإغراءات الكثيرة المتوفرة والمتاحة للشباب المراهقين، وتلهيني عن طموحي العلمي الذي سافرت لأجله، وبعون الله تمكنت من تجاوز كل هذه العقبات دون أدنى تقصير بواجباتي الدراسية والاجتماعية. جهود البدايات اعتمد علي السلامي على جهوده الذاتية في اختيار جامعته والتسجيل فيها، يقول السلامي: لم تكن هناك جامعة محددة في بالي، فاعتمدت على مراسلة العديد من الجامعات، كانت أولها جامعة كوفنتري البريطانية، وحين حصلت على الموافقة، قمت بزيارة ميدانية لمقر الجامعة، فأعجبتني كما أن المدينة الهادئة التي يقع فيها الحرم الجامعي والجامعة وهدوؤها، الأمر الذي دعاني للتسجيل الفوري فيها. يتابع السلامي: بما أني أجيد اللغة الإنجليزية فلم يكن هناك صعوبات في الدراسة، وتأقلمت مع المناهج بسرعة، ولكن هذا لايلغي بعض الصعوبات التي من الممكن مواجهتها في اللهجة التي تختلف من مكان لآخر، كما واجهت بعض الصعوبات بداية لأني كنت أعيش مع عائلة انجليزية صعبة المراس، وكنت أشعر أني في سجن، إلى أن منَ الله علي بعائلة أكثر تفهماً وكانت علاقتي معهم تفوق الممتازة والحمد لله. ويكمل علي السلامي: لقد تأقلمت بسرعة مع الجو والمناخ، والإنسان بطبيعته مخلوق يتكيف مع الأجواء، ولكن التعامل مع الناس المحيطين بنا كان لايخلو من صعوبة كانت بالغة في بعض الأحيان، بحكم أن الشعب الانجليزي شعب متحفظ ولايحب الاختلاط بالغرباء بشكل عام وخاصة العرب والمسلمين، في حين كنت أود الاختلاط بأي انجليزي كي أتعلم منه المحادثة على أصولها الحقيقية. جد واجتهاد يعتبر علي نفسه من الطلبة المجدين المجتهدين، يقول: ربما كانت أيام الغربة الصعبة وشوقي الجارف لأهلي المحرك الأساسي لجدي واجتهادي لإنهاء دراستي، ما جعلني أركز فيها لاختصار الوقت وعدم التأخر في الحصول على الشهادة والعودة لأحضان الوطن وبين الأهل، مع أني كنت أقوم بزيارات دورية في العطلات الجامعية، والتي كانت بمعدل مرتين واحيانا ثلاث مرات في السنة. يقضي علي السلامي معظم وقته في بريطانيا بالدراسة، يقول: لأني وكما أسلفت أود العودة لأرض الوطن بدون تأخير، اجتهدت كثيرا بالدراسة، وفي وقت فراغي كنت ألعب الرياضة وأشارك في بعض الأنشطة الايجابية، كما كنت أقوم بتبادل الزيارات مع الطلبة الإماراتيين والعرب في المنطقة. غربة الروح عن الاختلاف الثقافي والحضاري بين الإمارات وبريطانيا يتابع السلامي: طبعا المملكة المتحدة تختلف عن الإمارات الحبيبة اختلافا تاما ولأسباب عديدة، علماً أن دولتنا الناشئة قطعت أشواطاً سبقت فيها العديد من الدول المتقدمة، ولكن هناك المواصلات العامة التي تربط جميع مدن المملكة ببعضها البعض والسكك الحديدة كما يوجد هناك الطيران الداخلي بين المدن الذي يخفف المسافات على اتساعها في المملكة، ولكن لا أخفي أن أرتياحي النفسي في الإمارات أكثر من المملكة المتحدة. البعد عن الوطن أفقد السلامي التواصل الروحاني خاصة في المناسبات والأعياد، وهو ما زاد الغربة صعوبة على قلبه، يؤكد: بالنسبة للصلاة كان هناك مسجد صغير في الجامعة لكثرة الطلاب المسلمين، وهناك مسجد في المدينة أيضا لتركز الجالية الهندية والباكستانية فيها، لكن الأعياد والمناسبات الدينية فقدت جزءاً كبيراً من روحانيتها بعيداً عن الأهل، وقد مرت علينا بعض المناسبات الدينية والأعياد كنا فيها على مقاعد الدراسة وأحياناً كنت أقدم أثناءها اختبارات نهائية.