يوم ضبع ويوم بغل
شخص أحمق عزيز عليك، يرتكب خطأً ما بشكل دائم وسليم، كأن يقترض ليشتري ما يسد به جوع برميل القمامة، أو يقف في وسط الأسواق يتصيّد البنات، أو يقود سيارته بطريقة أفلام الأكشن، أو يدخل مقر عمله منفوخ العينين ويخرج منه مع انتهاء الدوام يقظاً مستريحاً بعد أن أخذ قسطاً من الراحة على طاولة العمل.. فماذا ستفعل معه؟
في المرة الأولى تقرص أذنه على انفراد، وفي الثانية تقرصه على الملأ وتركله على مستودعه، وفي الثالثة ترفع أكف الدعاء له بالرشد والهداية والالتزام، وفي الرابعة تبكي لحاله، لكن ماذا تفعل في المرة الخامسة؟ لا تفعل شيئاً سوى انتظار وقوعه في الفخ، ليكون عبرة لك، ولعيالك وأحفادك، ولأشخاص آخرين تذكّرهم بقصة ذلك العزيز وكيف انتهى مفلساً يرجوك أن تتوسط له لدى الشرطة، أو وقع في شباك أهل الفتاة، أو استسلم لكرسي الإعاقة، أو طرُد من عمله خير طردة. فبعد أن تستنفد جميع الطرق معه، فإنه لا معنى لبقاء ثوب النصح على كتفك، ولا بقاء يديك ممدودتين إلى ما شاء الله نحو السماء، وكل ما عليك فعله هو خلع ذلك الثوب وفرك يديك انتظاراً لساعة قطف الثمرة، والعِبرة بعد العَبرة. وإذا طال انتظارك، ووجدت أن حتفك صار أقرب من هلاكه بما قدمت يداه، فيمكن أن تسرّع من العملية وتستدعي اليوم الموعود من خلال تشجيعه على المزيد من الأخطاء، والدعاء عليه هذه المرة، والحيلولة دون دخول ناصحين أو داعين آخرين على الخط المفتوح بينك وبينه. وأنت في الحقيقة لم ترتكب جريمة أو حتى هفوة، كل ما هنالك أنك استفدت من العملية كما تفعل الضباع تماماً، فالسباع هي التي تهجم على البغال وتقطّعها إرباً وتأكل اللحم «الهبر»، بينما دور الضباع يأتي بعد ذلك، فتنظّف البيئة من الجيف النتنة، أي أن ما تفعله تحصيل حاصل بعد قتل البغال. وأعرف أنني لست الوحيد الذي يؤمن بذلك المبدأ الضبعي في حياته، وأن هناك أشخاصاً من حولي يؤمنون مثلي وينتظرون استخلاص العبرة مني، فلا أحد يخلو من الأخطاء، ولو لم نكن جميعنا مخطئين لما بقي حجر في العالم. وفوق هذا، ما من آدمي إلا وفيه شيء من الحماقة التي تجعل الخطأ عمدياً وبقصد وسوء نية، هكذا قال الحكماء الأوائل، فيروى أن الإمام علي قال: ليس من أحدٍ إلا وفيه حمقة فيها يعيش. وأبو الدرداء يقول: كلنا أحمق في ذات الله. وسفيان الثوري يقول: خلق الإنسان أحمق لكي ينتفع بالعيش. وأبو الحماقات يقول: يوم ضبع ويوم بغل.
أحمد أميري