فاطمة الصايغ..من آلام الاغتراب إلى إنجاز أول كتاب عن تاريخ الإمارات
النجاح له سحر وبريق يدفع المرء إلى بذل الكثير في سبيل الوصول إليه وقطف ثماره، ومن هنا وفي سبيل تحقيق حلمها بالوصول إلى كرسي الأستاذية في الجامعة، تنقلت الدكتورة فاطمة الصايغ، أستاذة التاريخ في جامعة الإمارات بين كلً من الكويت، والولايات المتحدة، وبريطانيا، طلباً للعلم، حتى حصلت على درجة الدكتوراه من الأخيرة. ومع الرجوع إلى أرض الوطن وظفت د. الصايغ ما اكتسبته خلال رحلتها العلمية تلك في إنتاج أول كتاب يختص بتاريخ دولة الإمارات ليكون مرجعاً تاريخياً وشاهداً على ظهور الدولة لتتبوأ مكانتها بين الأمم.
حملت رحلة البحث عن العلم تلك، الكثير من متاعب الاغتراب والبعد عن الأهل، بيد أن ذلك كان أمراً محتوماً طالما كانت الغاية نبيلة والهدف يستحق العناء من أجله.
تقول الصايغ: بعد حصولي على الثانوية العامة قررت بعد مناقشة مع الأهل، وامتثالاً للمقولة “أطلبوا العلم ولو في الصين”، قررت السفر إلى الكويت لاستكمال دراستي الجامعية هناك، وبالفعل التحقت بجامعة الكويت إلى أن حصلت على درجة الليسانس في التاريخ، وسفري الأول كان من الصعوبة بمكان على الصعيد النفسي، وأنا في تلك السن المبكرة، كونها المرة الأولى التي أبتعد فيها عن الأهل، وأتعرف على معنى الاغتراب الذي طالما سمعت عنه.
توضح الصايغ، أنها واجهت مشكلات عديدة في تلك السفرة، نظراً لاختلاف الجو الاجتماعي المحيط، بدلاً من بيت الأسرة أصبحت تسكن في بيت الطالبات، بما فيه من اختلاف من طبيعة الغذاء الذي تتناوله، وكذا العلاقات بينها وبين زميلاتها الطالبات، عنها مع أفراد الأسرة في الإمارات، وهي جميعاً- حسب الصباغ- عوامل لابد وأن تسبب شيئاً من الضغوط والأعباء النفسية على أي فتاة نشأت في بيئة محافظة، ولم تعتد التغيب عن منزلها فترات طويلة، ناهيك عن المبيت خارجه، حتى لو كان الهدف من ذلك السعي وراء العالم، وطلب المكانة المرموقة في المجتمع.
إعداد مهني
تضيف الصايغ: “بمرور الوقت، ومع تقوية علاقاتي بزميلاتي المبتعثات المقيمات معي في بيت الطالبات، وكن خمس فتيات إماراتيات، أخذت في الاعتياد على الغربة، واعتبرتها نقلة كبيرة في حياتي، ومرحلة إعداد لمستقبل مهني ناجح يتطلب سمات شخصية معينة، وقدرة أعلى من الاعتماد على الذات”.
يأخذنا الحديث مع د. الصايغ بعد ذلك إلى محطتها التالية في رحلة العلم، في الولايات المتحدة الأميركية، فتقول عن ذلك: “الحياة في الولايات المتحدة تختلف عمّا سواها من البلدان، وهناك شعرت بالمعنى الحقيقي للاغتراب، فلم أسكن في بيت للطالبات مثل ما كان الحال في الكويت، وإنما جعلونا نعتمد على النفس، وهو ما كان شيئاً جديداً لنا نحن الـ 27 طالباً المبتعثين من جامعة الإمارات”.
المجتمع الأميركي
تكمل الصايغ، كانت بدايتي في واشنطن العاصمة، وبقيت هناك نحو عام لدراسة اللغة، وشيئاً فشيئاً أخذت في التعرف على المجتمع الأميركي وواقعه الثقافي، نظراً لأن واشنطن تعج بأنشطة ثقافية وحضارية عديدة، وهو ما أعطاني لمحة حقيقية عن المجتمع الأميركي، حيث لامست عن قرب جانباً خفياً يغيب كثيراً عن وسائل الإعلام، وهو الجانب الثقافي الراقي الذي يغلف الحياة الأميركية، ومن هنا نشأت علاقة حميمة بيني وبين واشنطن، وصرت أتحين الفرصة لزيارتها دوماً، سواء بغرض السياحة أو المشاركة في الأنشطة العلمية المختلفة التي لا تنقطع هناك طوال العام. وتوضح الصايغ أن وجودها في واشنطن لمدة عام، ومعايشتها لهذه البيئة العلمية والثقافية مثّل أفضل إعداد لها، قبل الدخول لمرحلة الماجستير التي استمرت فترة عام وثمانية أشهر في جامعة Wisconsin الحكومية، في الولاية التي تحمل نفس الاسم.
انطباع مختلف
ثم كانت العودة إلى إلى الإمارات بعد الحصول على درجة الماجستير في التاريخ من الولايات المتحدة، حينها وبعد مناقشة زملائها في نفس المجال، تنامى إلى علمها أن كل باحث في تاريخ منطقة الخليج لابد وأن يتوجه إلى بريطانيا، كون معظم الوثائق المتعلقة بالخليج العربي موجودة هناك.
تقول الصايغ، على إثر ذلك أبلغت المسؤولين في الإمارات برغبتي في التقدم لدراسة الدكتوراه في بريطانيا، وبالفعل تمت الموافقة وتوجهت إلى جامعة Essex في شرق انجلترا، ومكثت هناك فترة 4 سنوات، إلى أن حصلت على الدكتوراه عام 1995، وكان عنوان الأطروحة” الخط الجوي البريطاني إلى الشرق وتأثيره على سياسة بريطانيا تجاه الإمارات”.
وعن الفترة التي قضتها في بريطانيا، تلفت الصايغ إلى أنها كونت انطباعا مختلفاً عن المجتمع الإنجليزي الذي فاجأها بنبرة التعالي التي تسم كل أبنائه، وهو في ذلك مضاد تماماً لواقع المجتمع الأميركي الذي يتصرف كل أفراده بعفوية وبساطة، وترجع الصايغ هذا النمط من التعالي الذي يتعامل به البريطانيون تجاه الغير إلى أنهم ينظرون إلى الغرباء بوصفهم أبناء المستعمرات البريطانية السابقة، كما توضح أن الحياة داخل المجتمع الإنجليزي تقليدية إلى حد كبير ويغلفها البرود الإنجليزي المشهور، وليست هناك حياة اجتماعية مثل المجتمع الأميركي المنفتح على أبناء الداخل والخارج على حد سواء، وهذا النمط من الحياة الروتينية داخل بريطانيا، دفعها إلى الانكفاء أكثر على الحياة الجامعية وأنشطتها، حتى انتهاء الدراسة والعودة إلى الوطن في العام 1995.
جائزة العويس
بعد ذلك كانت المرحلة الأهم في حياة د. فاطمة الصايغ، وهي تدريس التاريخ في جامعة الإمارات، تقول الصايغ: “حين بدأت عملي فوجئت بعدم وجود كتاب يختص بتاريخ دولة الإمارات، برغم مرور فترة على إنشاء الدولة، والحاجة لرصد مراحل تكوينها وظهورها إلى الوجود، ومن ثم بدأت في وضع كتاب (الإمارات العربية المتحدة من القبيلة إلى الدولة)، وقد حصلت على جائزة العويس عنه كأفضل كتاب في العام 1997.
وعن المشاكل التي واجهتها في تلك المرحلة، توضح، أن أهمها تمثل في التعامل المباشر مع الطلاب والانتقال من صفوف الطلاب إلى صفوف من يقدمون العلم إلى هؤلاء الطلاب، وهي مهمة ليست سهلة، من حيث توصيل العلوم والمعارف التي تحصلت عليها إلى طلبة وطالبات الجامعة في سهولة ويسر.
تحديات وإصرار
رداً على سؤال عما إذا كان العمل متعة أو تعباً، خاصة وأن العمل الأكاديمي يحمل الكثير من الضغوط والأعباء النفسية، أجابت: “العمل متعة لمن يحبه، وكلما شعرت بالإرهاق أدركت أني أعمل بإخلاص وأقدم شيئاً يستفيد منه الآخرون، ومن ثم فالعمل بالنسبة لي متعة لا تنتهي إلا بانتهاء ساعات اليوم الدراسي وإن طالت، وتضيف، وكلما كنت ناجحاً من الطبيعي أن تواجه سلسلة من التحديات، والإصرار وحب وتشجيع الآخرين، هو الذي يجعلنا نتغلب على مثل هذه التحديات”.
وبالنسبة لتأثير العمل على الحياة الأسرية، قالت: “المرأة العاملة ربما تعطي لأبنائها أكثر من غيرها، موضحةً، عندما تعود إلى أولادها ربما يكون الوقت الذي تقضيه معهم قصيراً، بيد أنه قد يكون أفضل من حيث النوعية، فهناك كثيرات من النساء اللواتي يجلسن في المنزل طوال اليوم، ولكنهن ينشغلن عنهم بأمور أخرى مثل مشاهدة التليفزيون، بعكس المرأة العاملة التي تسعى إلى تعويض غيابها عن أولادها بالتركيز على احتياجاتهم خلال الساعات القليلة التي تقضيها معهم.
مقولات نسوية
في ذات السياق تشير فاطمة الصايغ إلى أن دور المرأة في المجتمع أساسي وهي ليست مجرد تابعة للرجل الذي له مسؤولياته وأعباؤه، والمرأة ايضاً لها أدوارها، وقد قسم الله سبحانه وتعالى هذه الأدوار بين الرجل والمرأة منذ بداية الخلق، وهي سنة الحياة التي نسير عليها إلى نهاية الكون، وليست هناك أفضلية لأي منهما على الآخر، وأدوارهم تكمل بعضها البعض، وليست صراعاً بين الذكر والأنثى، وأصحاب المقولات النسوية هم من ابتدعوا هذا الصراع.
وبالنسبة لكلمة الطموح وما تعنيه عند الدكتورة فاطمة الصايغ، توضح أن الطموح لديها غير محدد بسقف معين، لأنَّه يتغير بين يوم وآخر بحسب المكانة التي وصل إليها المرء، وتحديد سقف أو حد معين للطموح يعني الركون إلى السكون والسلبية والتوقف عن العطاء.
المصدر: العين