الفخار .. صوت الزمن الآتي من فم «الطين»
يتصل الطين الذي يصنع منه الفخار بعلاقة وثيقة بالإنسان منذ خلق الله الإنسان من طين لازب ونفخ فيه من روحه. ومنذ القدم قام الإنسان بصنع الفخاريات وأقبل على الطين لإنتاج آنيته وأوعيته.. فيما تعتبر الإمارات إحدى الدول التي اشتهرت بعض مناطقها بصناعة الفخاريات مثل إمارة رأس الخيمة التي توجد بها تربة طينية لا توجد في مكان آخر من الدولة، على الرغم من توافر الطين بمختلف أنواعه، وكذلك ينتج الفخار في الفجيرة، بينما دلت الحفريات الأثرية على أن صناعة الفخار كانت موجودة منذ آلاف السنين في بقاع مختلفة من الدولة.
أقيم في عام 1976 أول مصنع في الدولة لصناعة الفخار، أنشأه علي خميس المحرزي في مسافي- رأس الخيمة، يقول في ذلك: «تشتهر منطقة شمل برأس الخيمة بالطين، حيث كان ولا يزال يشكل باليد في تلك المنطقة. وهذا ما شجعني على إقامة مصنع بسيط وطورته رويدا رويدا».
مراحل الصنع
يضيف موضحاً كيفية صناعة الأوعية الفخارية: «تصنع من الطين بتحريك الجسد الطيني الذي يتم اقتطاعه بواسطة سلك وتحريك دولاب بدائي عن طريق قدم الإنسان، وقبل العمل يتم تنظيف الطين قبل العمل فيه حتى يصبح شديد النعومة، ثم ينقل إلى بركة قريبة من الماء ويمزج الطين بالماء ويترك عدة ساعات. ويتبع ذلك عملية أخرى لتصفية العجينة من المخلفات الخشنة بواسطة شبكة خاصة، ثم حين يصبح «صلصالاً» يغطى بورق البلاستيك حتى لا يجف، وتستخدم قطع محددة الحجم لصنع الآنية، ويعمل حرفي يتقن تشكيل القطع على عملية الإنتاج، والأغرب أن هذا الحرفي ينتج آلاف القطع المتشابهة النقوش والأحجام بمفرده من دون قوالب خاصة، مثل علمية صنع (المدخن) الذي توضع به الجمرات لحرق البخور».
آباء وأبناء
كان الأجداد ينقلون الحرفة إلى أبنائهم قبل عمر البلوغ -بحسب المحرزي- وذلك عن طريقة إشراكهم باللعب حتى يتعلق الفتى بالحرفة ويصبح شغوفاً بالعمل على إنتاج الفخار، كما يطلب منه حمل الأوعية والآنية حتى يتعلم ألا يقع منه وعاء فيكسر، وبذلك يحترف حمل الفخار من دون أن ينكسر خلال عملية النقل. ويضيف المحرزي «يتعلم الفتية في الصغر إنتاج بعض الألعاب والأطباق والأكواب لأنها سهلة الصنع، وعندما يتأكد الأب المحترف أن الفتى أصبح يتقن العمل، يوكل إليه بعض العمليات لإنتاج الأدوات التي كانت تستخدم بشكل يومي في البيوت مثل: جرار الماء والخرس الذي كان يخزن فيه الماء، وبعض الأوعية التي استخدمت في تخزين الحبوب والأرز والدقيق والتمر».
مكانة عالية
بعد مرور آلاف السنين لا يزال للفخار مكانة في قلب الإنسان، ونادراً ما يوجد منزل أو عمارة أو دائرة حكومية في إمارات الدولة من دون أن تزين الردهات أوعية فخارية للزرع ونباتات الزينة، أو توضع الفخاريات كقطع جميلة لتزيين الردهات في أفخم الفنادق والمراكز التجارية. يشير المحرزي إلى ذلك لافتاً إلى أن «أصحاب الفلل والقصور يفضلون وضع الفخاريات أكثر من حبهم لوضع قطع توحي بأنها من الفخار وفي الحقيقة تكون من البلاستيك، والسبب أن الفخار منتج من عنصر حي هو الطين الذي له علاقة بالإنسان» ويضيف: «من واقع علاقتي بالسوق أرى أن الكثير من المقيمين على أرض الدولة يذهبون إلى شراء الجرار الفخارية من الأسواق لتزيين حدائقهم ومنازلهم، كما تقبل السيدات اللاتي لهن اهتمامات بالأشغال اليدوية على شراء الفخار من دون أي زينة، ويعملن على زخرفته وعرضه في المعارض على السيدات وربات البيوت، وعلى من يملكون الشركات والمؤسسات الخاصة».
المصدر: دبي