يعيش العالم وسط أزمة صحية أثرت سلباً على مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية، وتسببت في إغلاق مئات المتاحف والمعارض، وألغت آلاف الحفلات الفنية والموسيقية، وأوقفت آلافاً أخرى من المعارض والفعاليات الثقافية والفنية عالمياً ومحلياً. ومع كل هذه التحديات المحيطة بالقطاع الإبداعي، لكن دولة الإمارات استثمرت في حلول البنية التحتية التقنية، واستعدت مبكراً لمثل هذه الأزمات وفق منظومة حوكمة متطورة لاستمرار عجلة الحياة، فرأينا عشرات المبادرات الفنية، والمنصات الرقمية، وآلاف الكتب تنفذ لهواتفنا، وأجهزتنا الذكية لتثري عقولنا، وتوسع آفاقنا، وترتقي بطموحات أجيالنا.
برؤية مستشرفة للمستقبل، حوّلت الإمارات هذه الأزمة من محنة إلى منحة ثقافية وفنية، فمنحت دبي الإبداع ملايين البشر فرصة التجول واستكشاف متاحفها ومواقعها التراثية من خلال مبادرة «دبي 360»، أما معرض «آرت دبي» الذي أثبت حضوره المؤثر، كأحد أهم المعارض الفنية في المنطقة، فقد أطلق تجربة فريدة من خلال برنامج رقمي طموح في غضون أيام من إلغاء المعرض مع بداية هذه الأزمة، يضم المحتوى الرقمي للمعرض أكثر من 500 عمل فني، بمشاركة نجوم الفن وأبرز صالات العرض الفنية العالمية، فيما انتقل «السركال أفنيو» إلى العالم الافتراضي بأسلوب ومقاربة مبتكرة. خطوة متقدمة ستوسع دائرة الفعل الثقافي، وتجذب جمهوراً جديداً لمشهدنا الفني الصاعد، وستكون لها انعكاسات إيجابية على مستقبل الفن. أما معرفياً، فقد فتحت شارقة الثقافة مكتباتها التي تضم أكثر من ستة ملايين كتاب ومصدر معرفي إلكتروني، بلغات مختلفة أمام الجمهور مجاناً.
لمواهبنا المبدعة نصيب من المبادرات خصوصاً أنهم الفئة التي تحتاج دعماً في هذا الوقت، فقد أحسنت هيئة دبي للثقافة صنعاً بإطلاق حملة «لنبدع معاً» على وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع مجتمعنا الإبداعي على إبراز مواهبه في مجالات الكتابة والشعر والفن والتصميم والتصوير. مبادرة تصنع الأمل من رحم الأزمة، وتقدم جرعة من التفاؤل، وتبرز اللمسات الجمالية لمواهب لم نرها من قبل، وتصقل مواهب أخرى وجدت نافذة جديدة لإبداعاتها، أو ربما محاولاتها الفنية والأدبية.
مبادرات ملهمة، وقصص نجاح مبتكرة، ترسخ قوة مشهدنا الفني، ومرونة قطاعنا الإبداعي، وقدرته على التكيف مع الأزمات بسهولة في وقت قياسي، ليتواصل حراكنا الفني، ويتسارع تأثيره بفضل الخيارات المتعددة التي قدمتها التكنولوجيا الحديثة، ووظفتها دولتنا بأسلوب يضمن استمرارية الحياة بمجتمعنا في أحلك الظروف وأصعبها... واجبنا أن نعمل معاً وندعم بعضنا حتى نتجاوز هذه المرحلة، ونستثمر أوقاتنا في تنمية قدراتنا وتطوير مهاراتنا لنكون مستعدين للمستقبل بكل قوة.