شعبان بلال - أحمد عاطف (القاهرة)

«قد يموت البشر من الخوف قبل الوفاة بسبب كورونا»، تتردد هذه المقولة كثيراً بين الطواقم الطبية التي تعمل في مستشفيات الحجر الصحي بالعالم، وقد تحولت المقولة إلى دراسة عملية، حيث كشفت دراسة لمركز العلوم الصحية بجامعة تكساس ومعهد تكساس لأمراض القلب بالولايات المتحدة، عن أن عدداً كبيراً من مصابي كورونا المستجد «كوفيد - 19» لم يموتوا بسبب الفيروس ولكن السبب الرئيس كان «الأزمات القلبية».
وقال خبراء في الصحة وأطباء لـ«الاتحاد»، إن الخوف والهلع لدى البعض من تداعيات الإصابة بـ«كوفيد - 19» جعلهم أسرى للأزمات القلبية الحادة، وذلك على الرغم من توصيف منظمة الصحة العالمية بأن المرض هو بمثابة التهاب رئوي حاد، كما لفتوا إلى أن الفيروس يؤثر على القلب ويتسبب في جلطات صغيرة تسبب أزمات قلبية قد تؤدي للوفاة.
وطالب الخبراءُ الأطباء بضرورة تشكيل ما يُعرف باسم حائط الصد والبناء النفسي الذي يتمثل في دعم قوة العزيمة والتوعية والتثقيف، والتوعية بأن «كورونا المستجد» هو مرض كأي مرض آخر ونسبة الشفاء منه مرتفعة للغاية وتزيد على 85%.

سر الأزمات القلبية
وكشف الدكتور جمال فرويز، الأستاذ في الطب النفسي، عن أن سر الأزمات والجلطات القلبية التي يتعرض لها مصابو «كورونا المستجد» يرجع إلى عاملين أساسيين، الأول يرتبط بالضغوط النفسية التي تؤثر على مناعة الأشخاص وتجعلهم أكثر قابلية للإصابة بالسكتات القلبية، إلى جانب تأثير الفيروس على القلب وتسببه في جلطات صغيرة.
وتفصيلاً أوضح فرويز لـ«الاتحاد»، أنه عندما تكون المناعة النفسية العصبية لدى المريض قوية، تقل فرص الإصابة بأزمات قلبية، وتزيد فرص الشفاء، مضيفاً أنه يحدث عكس ذلك عندما تكون المناعة النفسية ضعيفة بسبب الحالة النفسية السيئة التي يعانيها المريض، ما يجعل الاستعداد للإصابة بالجلطات أعلى، مشيراً إلى أن السبب الثاني هو ما أعلنته منظمة الصحة العالمية رسمياً من أن الفيروس لا يؤثر فقط على الرئة، ولكنه يؤثر أيضاً على القلب بالتسبب في جلطات صغيرة تؤدي إلى أزمات قلبية ووفاة.

الخوف والفزع
وأوضح الدكتور محمد عز العرب، استشاري الكبد والجهاز الهضمي ومؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومي للكبد في مصر، أن هناك حالة غير طبيعية على مستوى العالم من الخوف والفزع نتيجة تزايد حالات الوفيات، موضحاً أن نسبة الوفيات كانت تتراوح من 2 إلى 3%، ولكنها ارتفعت في بعض الدول إلى 10%.
وشدد عز العرب لـ«الاتحاد»، على أن الحديث عن الفيروس وخطورته وتزايد عدد وفياته والمصابين به يوصل رسائل سلبية بالنسبة للمصابين، موضحاً أنه بخلاف ذلك تحولت الإصابة بالفيروس أحياناً إلى ما يشيه سبة ووصمة للمصابين به، ما يؤثر بصورة كبيرة على حالتهم النفسية، مشيراً إلى أن هذا العامل النفسي الناتج عن توقع الأسوأ يؤثر سلباً على جهاز المناعة ويؤدي زيادة ارتفاع ضغط الدم، خاصة مع عوامل كبر السن والإصابة بأمراض أخرى مثل السكري وضعف عضلة القلب واختلال مستوى الدهون، ما يتسبب في حدوث أزمات قلبية وأحياناً تنجم عن ذلك وفاة.
ونوه عزب العرب بوجود سبب آخر هو أن الدراسات والأبحاث المبنية على تشريح جثث المتوفين بالفيروس، أكدت وجود تخثر في الدم يتسبب في جلطات نتيجة زيادة لزوجة الدم، موضحاً أن تأثير الفيروس لم يقتصر على الفشل التنفسي، بل امتد أيضاً إلى لزوجة الدم والتسبب في جلطات.

أمراض القلب
وبحسب الدراسات التي ارتكز عليها البحث الصادر عن معهد تكساس لأمراض القلب، فإن نتائج دراسة أُجريت على 187 مريضاً دخلوا مستشفى في مدينة ووهان للعلاج من «كوفيد - 19»، تَماثل منهم للشفاء 144 (77%)، في حين توفي 43 مريضاً (23%)، كان متوسط أعمارهم 58 عاماً. وبشكل عام، كان هناك 66 مريضاً (35.3%) وسط العينة يعانون أمراض القلب الوعائية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب التاجية واعتلال عضلة القلب، في حين تعرض 52 مريضاً (27.8%) لإصابة في عضلة القلب نتيجة الإصابة بالفيروس، ما أدى إلى اختلال في وظائف القلب وعدم انتظام ضرباته، ونتجت عن ذلك زيادة معدلات الوفيات لدى الفئتين.
وكشفت الدراسة البحثية عن أن التأثير المباشر لكورونا تم رصده بعد زيادة مستويات بروتين «تروبونينن» لدى من أُجريت عليهم الدراسة من مصابي «كوفيد - 19»، وهو بروتين يوجد عادة بتركيزات منخفضة في الدم، ولكن مستوياته ترتفع بعد التعرض لنوبات قلبية، كما أنه يعطي مؤشراً على تعرض القلب للضرر، وخاصة عضلة القلب، وهو ما رصده فريق البحث في حالات أصيبت بـ«كوفيد - 19».
وأكدت الدراسة أن تأثير فيروس «كوفيد - 19» المباشر يكون على القلب، خاصةً عضلة القلب، إذ يُحدث آثاراً تدميرية لخلايا القلب في صورة التهاب للعضلة، مشابه لما يحدث عند الإصابة بقصور الشرايين التاجية أو جلطة القلب، وبالتالي فإنه يضعف العضلة القلبية، ويفاقم أوجاع مرضى القلب ويهدد حياتهم.

الخلايا «تي» الليمفاوية
بدوره، قال الدكتور أشرف عقبة، رئيس قسم المناعة بجامعة عين شمس، إن الخوف والقلق من الإصابة يؤثران على مناعة الأشخاص، موضحاً أن نقص المناعة يتسبب في العديد من التداعيات، ومنها عدم انتظام ضربات القلب.
وأشار عقبة لـ«الاتحاد» إلى أن السبب الآخر له علاقة، هو أيضاً، بالفيروس نفسه، موضحاً أن «كوفيد - 19» يؤثر على القلب ويحدث التهاب في عضلته، وهبوط في وظائفه، ومن الممكن أن يُصاب المصابون به، تالياً، بأزمات قلبية.
وأكد أستاذ المناعة أنه عندما يشعر الأشخاص بالخوف والضغط والانعزال والوهم، يؤثر ذلك على إفراز هرمونات، مثل الأدرينالين وهرمون النمو والبرولاكتين والكورتيزون، موضحاً أنه عندما يتم إفراز هذه الهرمونات بطريقة زائدة عن اللزوم تؤثر على مراكز المخ المسيطرة على الجهاز العصبي اللاإرادي ومن ثمّ على سيطرة المخ على إفراز باقي الهرمونات.
واعتبر أن التعرض للضغوط النفسية والقلق والفزع يتسبب في زيادة غير مبررة لكرات الدم البيضاء، لافتاً إلى أنه على الرغم من زيادة عدد كرات الدم البيضاء يحدث فيها تقاعس من حيث قدرتها على العمل بشكل جيد.
كما أشار إلى عامل آخر، وهو انخفاض قدرة الخلايا القاتلة الطبيعية والتي تعتبر من الجهاز المناعي الفطري، على العمل بشكل ملحوظ عند التعرض للضغوط النفسية، موضحاً أيضاً أن الخلايا «تي» الليمفاوية تقل قدرتها على إفراز الأجسام المضادة، وتقل فترة عمل هذه الأجسام المضادة، وتختل العلاقة بين خلايا «تي» الليمفاوية المساعدة، مما يؤدي إلى زيادة فرص الإصابة بالحساسية وأمراض القلب والضغط والسكر وأمراض المناعة الذاتية، وتقل القدرة على مقاومة الفيروسات، ما يتسبب في هذه النتيجة.

استجابة الدفاع الآلية
وتفيد الكثير من المراجع الطبية والنفسية في العالم بأن فرضية الموت من الخوف تستند إلى مادة الأدرينالين التي ترتفع نسبتها في الجسم في حالات النشاط المفرط والحماسة والخوف. والأخير يضع الجسم في حالة من المعاناة العاطفية الحادة، وتحرك هذه الحالة استجابة الدفاع الآلية في الجسم التي تعمل عادة في حالات الخطر الكبير، وفي هذه الحالة يبدأ الجسم بالتعرق الغزير، كما ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم، ويتفاقم القلق حتى يبدأ معدل نبض القلب بالتسارع، ويصل إلى أعلى حد، وتكشف بوابة الدخول إلى القلب للكالسيوم بمعدلات أكبر، ويصعب عليه العودة إلى النبض الطبيعي المعتاد، وهو ما يمكن أن يسبب حالة طبية معروفة بالرجفان البطيني، المتمثلة في نبض غير اعتيادي يمنع الدم من الوصول إلى بقية أعضاء الجسم، ما يؤدي للوفاة.

حائط الصد والبناء النفسي
من جانبه، قال الدكتور أحمد ثابت، الخبير النفسي، إنه ليس فقط المصابون من قد يعانون الرعب والخوف من الفيروس، ولكن أيضاً الأصحاء، مشيراً إلى أن هناك ظاهرة معروفة باسم الاختيار الإجباري، والتي ينصاع فيها الأشخاص إلى البقاء بالمنازل والالتزام الذاتي. وشدد ثابت لـ«الاتحاد» على أن كل شخص لا تبدو عليه ظاهرياً مخاوف أعراض الفيروس، ولكن يسيطر عليه الرعب من الداخل، يعكس ظاهرة معروفة باسم «التوحد بالآخر»، وهي حالة الخوف والهلع والفزع المرتبطة بأن نضع أنفسنا في مكان الآخرين المصابين بالفيروس أو الذين توفوا به، خاصة عند إصابة أحد الأقارب أو الجيران.
وأكد أن الخوف الذي يُصيب مرضى فيروس كورونا، خاصة في ظل ترديد عبارات عدم وجود علاج له وتوقف مصالح الدول وتحذيرات على مستوى القادة وأيضاً إصابات لمشاهير في العالم، كل ذلك قد يتسبب في أزمات نفسية قد تؤدي إلى أزمات قلبية في بعض الأحيان.
وشبه الخبير النفسي وضع بعض مصابي فيروس كورونا المستجد بأنه مثل الحالات التي تتعرض لغرق أو حريق أو حادث قطار أو سيارة، لافتاً إلى أن المصاب يرى نفسه شخصاً يواجه الموت وقريب منه في حجر صحي يعاني من مرض مجهول، وهو ما يدعى «قلق الموت». ولفت ثابت إلى أن حالة القلق الجماعي وتأهب استقبال الموت لها تأثيرات كبيرة على الحالة الصحية للأشخاص، وخاصة المصابين.
وعن كيفية مواجهة ذلك، يؤكد الخبير النفسي ضرورة تشكيل ما يُعرف باسم حائط الصد والبناء النفسي الذي يتمثل في دعم قوة العزيمة والتوعية والتثقيف، وأن وباء كورونا هو مرض كأي مرض آخر وفي مواجهته لابد من الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي أعلنتها وزارات الصحة ومنظمة الصحة العالمية سواء للمصابين أو غيرهم.

 الرئة والقلب
بحسب دراسة حديثة لباحثين بمركز العلوم الصحية بجامعة تكساس ومعهد تكساس لأمراض القلب بالولايات المتحدة، فإن خطر «كوفيد - 19» لا يقف عند حدود الرئة، بل يشمل القلب. وأوضح الباحثون أن فيروس كورونا المستجد يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على صحة القلب، حتى بين الأشخاص الذين لم يعانوا في السابق أمراض القلب والأوعية الدموية. وكشف الباحثون، في دراستهم التي نُشرت في دورية الجمعية الطبية الأميركية، عن أن «كوفيد - 19» يمكن أن يتسبب في التهاب الأوعية الدموية وعضلة القلب، وعدم انتظام ضربات القلب.